بقلم : ياسر قورباني
أن القانون الجنائي يعجز مفردا عن تحقيق أهدافه التي يوضع لها, مما يوجب أن يستعين بعدد من العلوم لتحديد الوسائل اللازم اتخاذها, ولبيان هذه الأهداف ومساهمة العلوم المساعدة واهميتها وطريقة توظيفها في تحقيقها نقسم هذا البحث القصير الى ما يلي :
- مفهوم القانون الجنائي
- أهداف هذا القانون
- العلوم المساعدة له
- وظيفة القانونيين تجاه تلك العلوم
- التعليق و الخلاصة
مفهوم القانون الجنائي
القانون الجنائي هو القانون الذي ينظم واجب الدولة في التجريم و العقاب .
أن هذا التعريف يتصادم بالتأكيد مع الكثير من المفاهيم المنتشرة في الأوساط القانونية الجنائية , وهو تعريف انتقيناه من عدد من التعاريف و الذي أشهرها بجانب ما ذكرناه هو التعريف الذي يستبدل كلمة - واجب - بكلمة - حق - فيكون القانون الجنائي هو القانون الذي ينظم حقا للدولة وليس واجبا عليها ولان هذا البحث القصير ليس محلا لبيان أسباب اختيارنا هذا التعريف بدلا من غيره نترك له بحثا منفصلا نرفقه نهاية هذا البحث عند نشره .
ويجب ان نوضح اننا عندما نتكلم في هذا الموضوع إنما نقصد بالقانون جانبه العلمي أي النظريات و المبادئ التي تقودنا الى هدفنا , وليس هيكلية القواعد القانونية التي تمثل نتيجة هذا الجانب , فيتضح لك أهمية دراسة هذا الجانب لانه الاساس لهيكلية القواعد القانونية
أهداف القانون الجنائي
انطلاقا من هذا التعريف لا يخفى على أحد أن هذا التنظيم لم يأتي عبثا, كما لا يخفى ايضا ان هذا القانون ليس هدفه التجريم او العقاب , وهذا امر بديهي فالاخيران ليسا الهدف إنما هما الوسيلة لتحقيق الهدف وهو تنظيم عدد من المصالح كأي قانون اخر, هذه المصالح تكون على مستوى من الاهمية و عندما تكون مشروعة - أي أنها مقبولة أخلاقيا بلا خلاف - فتسمى - حقوقا - وكل فرع من فروع القانون يهتم بتنظيم قسم من هذه الحقوق , و القانون الجنائي هو القانون الذي ينظم الحقوق ذات الاهمية العليا في مجتمع هذا القانون كالحق في الحياة وحرية التملك وحرية التنقل ...الخ .
وعليه لتحقيق هذا الهدف يجب على القانون الجنائي بجانبه العلمي الإجابة على عدد من الاسئلة وبالتأكيد يقصر هذا العلم وحده عن الاجابة عليها جميعا فيستعين بعدد من العلوم التي يمكن الاستفادة من مجال دراستها للإجابة على أسئلتنا واليك عدد منها
ما هي الحقوق التي يحميها هذا القانون ؟
ما هو الهدف من حمايته لها ؟
كيف يحمي هذه الحقوق ؟
ما هي الجريمة التي يحمي هذه الحقوق منها ؟
كيف يحد منها ؟
ما هو المجرم الذي يقوم بهذه الجريمة ؟
كيف نتعامل مع المجرم ؟
ما هي ضحية الجريمة ؟
كيف نتعامل مع ضحية الجريمة ؟
العلوم المساعدة للقانون الجنائي
العلم هو أسلوب منهجي لوضع التفسيرات و التوقعات بشأن موضوع معين .
و العلم المساعد ليس علما ناقصا او ثانويا, إنما يستفيد منه علم أو تنظيم آخر , فالرياضيات علم مساعد للفيزياء و الفيزياء علم مساعد لهندسة الحواسيب و هكذا .
والعلوم التي تساعد القانون الجنائي في الاجابة على الاسئلة اعلاه هي :
- علم الاجرام
- علم السياسة التشريعية - تحديدا السياسة الجنائية -
- علم العقاب
- علم الضحية
علم الاجرام : هو العلم الذي يدرس العوامل النفسية و العضوية و الاجتماعية التي تقود الانسان الى الاجرام , بالاضافة الى الجريمة بذاتها وطرق معالجتها ومكافحتها.
وعلم الاجرام هو الاخر يستفيد في مجاله من علوم اخرى تساهم في أهميته بالنسبة للقانون الجنائي .
هي بشكل اساسي علم النفس الجنائي وعلم الاحصاء و علم الاجتماع و الطب الشرعي والتحقيق الجنائي واي علم آخر يساهم في تحليل الجريمة و المجرم .
علم السياسة التشريعية : هو العلم الذي يدرس الأساليب والتوجهات التي يتبعها المشرعون من اجل الوصول الى اهداف تشريعاتهم التي وضعوها , وينقسم إلى أقسام بعدد أقسام القانون , والسياسة الجنائية هي الأساليب والتوجهات التي يتبعها المشرعون الجنائيون في القوانين التي - يكتشفوها - من أجل تحقيق أهداف القانون الجنائي والمعروفة في الوقت الحالي بالردع العام و الخاص و إصلاح الجاني و العدل .
علم العقاب : هو العلم الذي يدرس العقوبة الجزائية من حيث اهدافها واساليب وجهات تحقيقها وكفائتها و طرق معاملة الجناة .
علم الضحية : هو علم حديث يدرس العوامل التي تقود الانسان الى ان يكون ضحية جريمة , ولحداثة هذا العلم فلم تطرق الدراسات الى كل الجوانب النفسية والعضوية و الاجتماعية في هذا الشأن او حتى ان كان هنالك جوانب تختلف عن ما في علم الإجرام , إنما تطرق الباحثون فيه الى علاقات الضحية بالمجرم و المؤسسات العلاجية و الاعلامية اي باعتبار الضحية - ضحية بشكل بحت - وليس إن كانت هنالك عوامل تضيفها لارتكاب الجريمة .
وظيفة القانونيين تجاه هذه العلوم
أن وظيفة كل القانونيين ليست الاغتناء او تحقيق المجد الشخصي , بل تحقيق العدل وتوعية المجتمع بجميع طبقاته و المتعففة خصوصا بحقوقه والتزاماته و موقف القانون منها وطرق تطويره لخدمة مصالحهم المشروعة , وهذه المهمة لن تنجح ان كان من يقوم بها لا يتبع منهجا منتظما مبني على أسس رصينة , وهو لا يتبع هذه الأسس في تعامله مع هذا المجتمع إنما في مهنته , فقاضي التحقيق و المحامي و المشرع والأطباء الشرعيين و الممرضين القانونيين لن ينال اي منهم الاحترام الكافي لكي يكونوا مؤثرين في من يخاطبوه إذا لم يكن عملهم مسند بعلم دقيق تمكنوا من جوانبه وابعاده الاجتماعية خصوصا , فهم كالطبيب فيحترم رأيه لأن الناس لديهم ثقة - زرعت - فيهم بأنه تمكن من علم دقيق يصعب عليهم التوغل فيه , واما عكس ذلك فكيف يسمع رجل القانون وهو ينادي لاصلاح مجتمعه ان كانت الفكرة المنتشرة فيه أن رجل القانون محتال لا يستند إلا على المواد القانونية التي يحفظها و ينتظرهم لياخذ اموالهم بعد ان يعدهم بامال كاذبة .
التعليق والخلاصة
أن القانون بكل فروعه له جانبان الاول علمي انساني فلسفي , هو ما نقرأه في كتب القانون ونظريات الحق و الانتقادات و التسبيبات المختلفة لكل توجه تشريعي , و الجانب الثاني هو الذي يخطر في بال العامة هو مجموعة القواعد القانونية , ولأن الأول أساس الثاني فلا نفع في من يمارس مهنة بالقانون دون إحاطته بعلم القانون , علم القانون هو علم الجراحة بالنسبة للجراح و علم الهندسة بالنسبة للمهندس , وهذان العلمان بالتأكيد ليسا الجراحة فعلا ولا الهندسة فعلا, هما - الأدوات - ليس الا , فأي قانون بلا ادوات ؟ وأما صلب الموضوع وهو القانون الجنائي فلا يتميز بتفصيل خاص في هذه المسألة هو علم له أهدافه وأدواته التي صيغت لتحقيقها , الأهداف التي تتمثل بالارتقاء بالمجتمع وتطوير وحماية وعي أفراده , و الأدوات التي تتمثل بالعلوم المساعدة له , وله جراحه أو مهندسه الخاص هو رجل القانون الذي يسعى لا للاغتناء على جهل اهله الذي لا ذنب لهم فيه بل لرفع ذلك الجهل اولا , وحمايتهم ثانيا .
المصادر
اصول السياسة الجنائية , د أحمد فتحي سرور
علم الاجرام و علم العقاب مؤلفين منفصلين , أ.د جمال ابراهيم الحيدري
علم الضحية واسهاماته في الحقل الجنائي د قميدي محمد فوزي رابط البحث