أهمية أتقان اللغة في المهن القانونية وطرق تطويره و الكشف عن المعاني القانونية المتقاربة


بقلم : ياسر قورباني


"ما رأيت رجلًا قط إلا هبته حتى يتكلَّم، فإن كان فَصِيحًا، عَظُم في صدري، وإن قصَّر سقط من عيني" - يحيى بن خالد 


أن اختيار الأسلوب المناسب في أي سياق مهني امر جوهري للوصول الى مسعى هذا السياق , وفي القانون تبرز هذه الفكرة كون المهنة القانونية تقوم على تبادل  الأفكار بين عدة اطراف عن طريق التواصل اللغوي للوصول الى قناعة معينة .

هؤلاء الاطراف قد يكونوا القاضي و المحاميين او الاستاذ الجامعي و طلابه او اطراف عقد , و لا يختلف احد على ان الاسلوب اللغوي لفظا او كتابة هو أول قرينة - ايجابية او سلبية - على المستوى الفكري للطرف المقابل لذا سنقسم هذا المقال كالآتي :

  • المستوى المطلوب من الاتقان 
  • توظيف اللغة المتقنة في المهن القانونية  
  • طرق و مصادر لتطوير الإتقان اللغوي 



المستوى المطلوب من الإتقان اللغوي


لا نقصد باللغة المتقنة أن يكون القانوني على مستوى الجاهلية من الفصاحة .

ولكن لا يمكن إنكار كم هي مشينة الاخطاء الاملائية عن جهل , في كلمات نستخدمها يوميا في كتاباتنا , شكرن و خصوصن…الخ .

إن قدرة الشخص على كتابة لغته الأم بشكل صحيح ليست مهارة قانونية , بل هي قدرة مسلم بها في اي شخص متعلم , ومن ثم يكون واضحا الاثر السلبي الذي تتركه هذه الاخطاء في المتلقي عندما تصدر من شخص مهني .

و من الضروري العمل على تصحيحها من خلال عادات بسيطة تتمثل بالقراءة المتأنية للكتابات الفصيحة كالكتب العلمية و الوثائق الرسمية وأمثلتها , و أعتياد الكتابة مع مراجعة إملاء الكلمات بأستمرار .


ومع ذلك فليس هذا المستوى المطلوب ايضا , فهو أمر مسلم به كما ذكرنا .

المستوى المطلوب من القانوني هو القدرة على معرفة تأثير الصياغة على المتلقي من خلال استخدام معاني المصادر المختلفة وتركيبها في جمل وفقا لما يريد إيصاله .

ونقصد بالمصدر أصل الكلمة , فمصدر فاعل هو فعل , ومصدر مخلوق هو خلق , ومصدر أعلام هو أعلم وهكذا كل التصريفات التي نستخدمها .

فأي نص لغوي يفسر لغويا اولا ومنطقيا ثانيا , وهما عمليتان مترابطتان لا تنفصلان فنحن نقرأ النص ثم نفسره في عقولنا تبعا لما نظنه المنطق , اذا بأمكاننا أن نقود العقل الى التفسير الذي نريده من خلال اللغة حتما .

وهذا الامر ينطبق سواءا على اللغات الاخرى فلها نفس التأثير ولها نفس الفروقات الدقيقة التي تتطلب التمعن .



توظيف اللغة المتقنة في المهن القانونية 


أن الجملة : إن موكلي حاول الوفاء بالتزاماته بكل امانة , الا ان ..

أفضل بالتأكيد من : ان موكلي لم يوفي بالتزامه بسبب …


إن المعنى الحقيقي واحد , ولكن طريقة تركيب الجملة تكون صورة أولية أفضل في الجملة الأولى من الثانية , وعندما يكون الغرض من هذه الكتابة إقناع الطرف المقابل , تكون هذه الصورة قد بلغت الاهمية التي تتطلب تمعنا في صياغتها .


هذه الصورة نتحكم بها طيلة تواصلنا سواء كتابة أو شفاها , فنبرز صعوبة موقف معين مثلا من خلال استخدام ألفاظ جزلة ثقيلة على اللسان مثل : 

أن جشع الجاني جاء به الى جريمته هذه .

خلافا للجملة مثلا : أن طمع المتهم سيره الى حالته هذه .


وتبرز أهمية المعرفة باللغة في الكتابة العلمية أيضا , فتفكير الطالب أو الباحث الذي يقرأ كتابا علميا مستقر على أن الكاتب شخص أعلم منه فيما يتكلم فيه , فيضع ثقته في عدم خطأ الكاتب أخطاء كبيرة .

فالهفوات المطبعية أمر بسيط لكن الغلط في اساسات علمية امر يشكك القارئ في افضلية الكاتب العلمية و يفقده الثقة فيه , و العكس صحيح . 

ومن الوقائع التي تحدث الآن , أن الطلاب الذين يدرسون القسم العام من قانون العقوبات في جامعة بغداد يتعلمون بشكل هام الفرق بين الشرعية و المشروعية ,


فالشرعية مؤنث شرعي وهو كلمة شرع - مرادفا لكلمة قانون - مضافا إليه ياء النسب , و عليه ان كل ما يقال عنه شرعي هو منسوب لشريعة , أي مطابق لها , ولا يجوز أن يقال على شيء أنه شرعي دون أن يكون معلوما - صراحة او ضمنا - هذا الشرع .


أما المشروعية هي مؤنث مشروع وهو اسم مفعول مبني للمجهول , من ثم عندما نقول مشروع فنحن نقول على شيء انه مسموح او صحيح دون الحاجة لذكر الأساس الذي استندنا عليه , للاشارة الى انه مسموح بغض النظر عن قبول الشرائع و القوانين او رفضها له .


وعندما يدرس ذات الطلاب القانون الإداري الذي أساسه الآراء الفقهية و الأحكام القضائية الفرنسية يخسرون كل الثقة بقدرة شراح هذا القانون على شرحه , لأنهم تارة يستخدمون لفظي الشرعية و المشروعية للاشارة الى ذات الشيء وتارة يعكسون معنيهما وتارة اخرى يجادلون في ان اللفظين كذلك لأنهما ترجما من الفرنسية وهو أمر اتعس حقيقة .


و يشكك القاضي في المحامي و الموكل بوكيله كما يشكك هؤلاء الطلاب .



طرق و مصادر لتطوير الإتقان اللغوي 


كل أسلوب في الصياغة ينمي جانبا أو اكثر منها , فمهما يقرأ المرء لن يعرف مستواه دون أن يكتب بنفسه , ومهما كانت الكتابة متواضعة فهي تكفي لتنمي قدرته على إيصال ما يريد إيصاله من خلال الصياغة الرسمية , هي حقيقة مهارة اجتماعية تنمو بالممارسة .


 وعلى العموم تتطور بالقراءة و الاطلاع المقترنين بالتمعن , مع الكتابة المستمرة و تقييم هذه الكتابة من خلال ما يسميه النقاد الادبيين - عين القارئ - او  - العين الثانية - وهي تقييم ما يكتب من خلال فكر القارئ الذي وجهت له الكتابة .

أما معرفة معاني المصادر و قواعد النحو الاساسية فتتطلب الدراسة , وهي على العموم ليست من الأمور الصعبة طالما أن الهدف هو الوصول الى مستوى لائق لا مستوى خبرة علمية في مجال اللغة ونوصي ببعض المؤلفات التي استفدنا منها كثيرا مثل :


معاني النحو - اربع اجزاء - أ.د. فاضل صالح السامرائي

الفرج بعد الشدة للتنوخي - للاطلاع على مؤلف قصصي فصيح -

للغة القانونية الانجليزية : The lawyers english language coursebook 


أحدث أقدم