نسمي مهمتنا - إصلاحا - وليس - حماية - فلم تبق حقوقا لنحميها بل حقوق لنستعيدها(١) .
أن القانون ليس المهنة التي يمتهنها القانوني . بل هو أداته و وسيلته لتحقيق مهنته والتي هي توجيه المجتمع الذي ينتمي اليه الى المسار المحقق لأكبر قدر ممكن من العدالة (٢).
وأن لم يكترث الكثير تجاه هذه الفكرة , من منطلق أن المجتمع لم يعنا على شيء فلم نعينه ؟
والحق ان هذه الفكرة تشوبها اخطاء جوهرية كثيرة يكتب تجاهها كتبا وليس مقالا , بالرغم من ذلك اكتفي هنا بلفت النظر الى حقيقتنا الانسانية , التي يمحى كل أثر لما تعمل لمصلحتها فقط , ﻷنعدام قيمته واقعيا لارتباطه بالجانب الفردي وحسب ويبقى فقط ما تركته لمن بعدها من أثر وإن لم يعلم ذلك البعد بمصدر هذا الأثر .
إذا أن عشنا خمسين أو ستين او مئة سنة , فالحقيقة أنه لا وجود لنا إلا بما تركناه من أثر على محيطنا سواء كان المحلي او الانساني ككل , و ان ما فعلناه لصالحنا الشخصي البحت من مجد او مال ينسى فلا يذكر و ويمحى فلا يؤثر , وكأن الذي يعيش لنفسه أو عليها ينافسنا على الهواء لا أكثر فأذا مات كنا قد خسرنا ما تنفسه طيلة حياته .
وأن اتفقنا على هذا الاساس للفكرة يجب ان نحدد المفهوم المنتشر في الوقت الحاضر عن المهنة القانونية بين العامة من الناس و القانونيين انفسهم ونعرف القيمة الحقيقية لهذا المفهوم ومدا صحته وما يجب أن يكون عليه إن لم يكن صحيحا ولماذا , وعليه نقسم هذا المقال الى :
- ما هي المهنة القانونية و المفهوم المنتشر عن المهنة القانونية
- مدى صحة هذا المفهوم
- المفهوم الذي نسعى لنشره
ما هي المهنة القانونية و المفهوم المنتشر عن المهنة القانونية
إن مصطلح مهنة يقصد به هنا كل عمل يقوم به شخص على وجه الاعتياد معتمدا على مهارات بدنية او عقلية لتحقيق ربح مادي, ولا يختلف في ذلك إن كانت المهنة معقدة او بسيطة
و المهنة القانونية هي الأعمال التي تؤدي إلى تحقيق آثار يعتد بها القانون مهما كانت هذه الاثار و يقوم بها الشخص على وجه الاعتياد و تحقيق الربح المادي .
في الوقت الحاضر عندما تذكر كلمة القانون يتبادر الى الاذهان بشكل عام القواعد القانونية و عمل المحاماة والترافع والمنازعات القضائية , إذا أن عمل المحاماة و القضاء هما وجه القانون بالنسبة لمجتمعنا الحالي , هما من يمثلان مساوئه وحسناته , وهذا بالتأكيد اشارة الى الجهل المنتشر بماهية القانون وأبعاده و ممارسيه .
فالقانون اولا ليس مجرد قواعد تحدد السلوك الإنساني - افعل هذا ولا تفعل ذلك - بل هو علم يبحث لماذا وكيف نفعل هذا و لا نفعل ذلك
و المحاماة و القضاء ليسا المهنتان الوحيدتان له ثانيا , و المحاماة رغم أهميتها الكبيرة ليست أهم مهن القانون , ولما كان القاضي و المحامي هما أكثر ممتهني القانون احتكاكا بالناس كانا هما أبرز شخصيات هذه المهنة , وهذا الواقع للأسف لا يمكن ان يحصل الا في الوسط الذي انتشر فيه الجهل .
حيث ان الناس لا يعرفون الا ما يحتك بهم من أمور و ما لم يمروا به او لم يروه لا يعرفوه .
ليس هذا فقط , بل حتى هذين الأكثر احتكاكا بالناس لم ينالا منظرا مشرفا .
فأن نظرنا الى القاضي اولا , وبالرغم من أن الواقع يقول لنا انه شخص ينال الاحترام المستحق من العامة , والنظرة العامة الى شخص القاضي ان مهمته التي يسعى إليها هي تحقيق العدالة , الا أن النظرة إلى النظام القضائي ككل هو أنه ليس إلا فرعا من السلطة التنفيذية في بلاد يشوبها الفساد ولا تستطيع النيل من أصحاب القوة والنفوذ .
أما من يفقه شيئا في القانون فسيعرف مباشرة كم أن الجملة أعلاه مليئة بالأخطاء الشنيعة , فلا القضاء تابع للسلطة التنفيذية بل هو سلطة مستقلة بذاتها , و الفساد الذي يشوب النظام القضائي ضيق جدا بسبب طبيعة عمل وشكل هذه المنظومة و مع ذلك لا ننكر وجوده خصوصا عندما يمس النفوذ السياسية , كما أنها لا تنال من المجرمين والمعتدين من تلقاء نفسها بل يجب ان يشكوها احد ويحمل معه دليل ادانتهم .
اذا المجتمع مخطأ في نظرته الى القاضي و النظام القضائي , بالطبع لا .
فالخطأ يتطلب تقصيرا او اهمالا او تعديا , ولا يمكن أن نصف الناس البسطاء الذين يقضون طول يومهم في البحث عن رزقهم اليومي الذي قد لا يجدوه اصلا بالمخطئين , ولا ننسى المخاطر اليومية التي تلاحقهم , من الدعاية الى المخدرات و الكحول , و وسطهم الخطر و التسابق بينهم على الاسترزاق , و فضاضة وقسوة طبيعة وظروف أعمالهم .
وهو ينقلنا الى الشخص الثاني الذي يحتك بهم وهو المحامي , فمن يدافع عن حقوقهم وينصر المظلومين , و يعاقب المعتدين , لا يراه الناس إلا مجرما آخر .
كيف لا ؟ فهو ينتظرهم في مكتبه الكئيب فلا يفتح فمه ولا يصغي اذنه قبل ان يرى مالا فيتعالى عمن لا يملك و يسجد لمن يملك .
إذا لا يكفي ان تكون مظلوما بل لتنصر يجب ان تملك مالا , و الحقيقة أن من يملك المال ليس مظلوما بل ظالما ههنا .
المحامي في النموذج هو شخص يلجأ اليه اطراف النزاع القضائي للترافع أمام القضاء بدلا عنهم لخبرته في علم القانون وطرح أوجه النظر و محاولته إقناع القضاء بأن التنظيم القانوني الذي يخدم مصلحة موكله هو التنظيم الأكثر قربا من العدالة .
من ثم أن مثل هذه المهنة لا تكون مشروعة إلا إذا ارتبطت بأخلاقيات معينة منها :
- اقتناع المحامي اولا بوجهة النظر التي سيطرحها
- و الامتناع عن الدفاع عن المعتدين
- و تصحيح النظام القانوني من خلال الكشف عن عيوب النصوص التي لا تصل إلى درجة العدل المطلوبة و تعديلها من خلال تعاون المحامي و القاضي معا قبل المشرع .
فضلا عن إيصال الحقوق إلى أصحابها والتنزه عن مشاركتهم فيها غصبا .
أما باقي المهن القانونية كالوحدات القانونية في دوائر الدولة و اساتذة القانون و الممرضين القانونيين و المستشارين و المشرعين فمن جانب تكون ابعد من حيث التعامل مع الوسط الاجتماعي البسيط الذي يحتاج تعليمهم ودعمهم فلا يصلوه , ومن جانب آخر إذا احتكوا بالوسط تتكرر ذات المشاكل التي تظهر عند الاحتكاك بالمحامي والقاضي , خصوصا عدم تقبلهم فكرة الإصلاح الفكري وتبني فكرة تحقيق الأمجاد و المكاسب الشخصية ذلك في افضل الاحوال , صارفين النظر عن المتخذين القانون مهنة آلية , أي كأنها وظيفة الحاسوب لا قيمة للفكر فيها .
المفهوم الذي نسعى لنشره
ستبقى وظيفة النظام القانوني ككل هو حماية الحقوق .
و من يمتنع عنها ليس من النظام القانوني بل هو متطفل عليه وذكرنا سبب ذلك في مقدمة هذا المقال , وهذه الوظيفة لا يمكن أن تتحقق ان لم يعرف الناس اولا حقوقهم و واجباتهم .
فكم عاملا مثلا لا يعلم بوجود قانون للعمل , وكم شخص يخضع لفوائد هائلة خوفا من الحبس في حال عدم قدرته على الدفع بينما لا عقوبة جزائية على ذلك في الواقع (٣), وكم شخصا يطرد من بيته المستأجر او العكس يدفع المؤجر مالا للمستأجر لكي يخرج من عقاره لجهلهما بأحكام الايجار , وكم شخصا يقبل ظلم الاحكام العشائرية من تفويت للحقوق او ترهيب للانفس لعدم ثقته بسلطات الضبط القضائي , و الامثلة كثيرة ونعيشها يوميا .
لذلك لا يخفى على احد أن اثار الامتناع عن هذه الوظيفة لابد ان تنال الممتنع فهي ستنال بالتأكيد كل وطننا من مجتمع اولا ثم زماننا من ماضي وحاضر ومستقبل , و الحقيقة أننا نعاني هذه الاثار فعلا , فهل نملك حقا فعلا إن لم نعلم به ؟
لذلك نسمي مهمتنا - إصلاحا - وليس - حماية - فلم تبق حقوقا لنحميها بل حقوق لنستعيدها .
—-------------------------------------------------------------------------------------
١- قمنا بأعادة كتابة خاتمة المقال في مقدمته كخلاصة .
٢- قد لا نحقق يوما هدفنا هذا ولكن ذلك ليس سببا ليمنعنا عنه , فالنتيجة لم تكن يوما من اختصاص البشر .
٣- تصل هذه الفوائد الى ٧٠% - ١٠٠% وهو اشبه بالوباء كأن في كل حي رابية تبيع المال بالربا , كما أننا محيطون بأن قانون التنفيذ يقضي بحبس الممتنع عن سداد ديونه لفترة مؤقتة دون الضغط على إرادته اكثر من ذلك , وعليه وجب التنبيه ان هذا الحبس هو على الممتنع فقط وليس على الذي لا يملك مالا كافيا لسداد ديونه , اذ من يبدي الى القضاء رغبته في سداد ديونه فلن يحبس وإن لم يملك مالا .