الدكتاتورية الديمقراطية . تحليل للمعالجة القانونية الامريكية في مواجهة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين

بقلم : ياسر قورباني 



" ان باركت إسرائيل  سأباركك . أن لعنت إسرائيل سألعنك ". هل تريدين ان تلعن جامعة كولومبيا من رب الإنجيل ؟ 

- لا بالتأكيد لا 

حوار بين ريك الين في تحقيقه في الكونغرس ضد نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا 



تاريخ مختصر 


منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ شهدت الدول الاوروبية و الامريكية احتجاجات واسعة محورها الحرب في فلسطين . و هذه الاحتجاجات كانت في وقت مساندة للجانب الصهيوني وفي آخر مساندة للفلسطينيين . وعلى اثر جرائم الكيان الصهيوني الاخيرة والانتصار الإعلامي الفلسطيني و وقوف الكيان في جبهات قتالية من أنواع مختلفة العسكرية والسياسية والقانونية والاقتصادية وأهمها اليوم هي الاعلامية , نفخ الغبار عن تاريخ القضية الفلسطينية أمام المتعلمين في الدول الغير عربية وارتبط الماضي بالحاضر امام اعينهم ولم يعد القتل والاغتصاب والاستعمار والوحشية الصهيونية أمرا مبهما او غريبا , و النتيجة الانسانية لذلك هي صعودهم في الجبهات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ضد جرائم الكيان . وعليه و استكمالا للمقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية انخرط الطلاب الجامعيون في الاحتجاجات في احرام جامعاتهم و لم تعد الاحتجاجات الطلابية خلال الاشهر الاخيرة ذات شكلين , فقد اصبحت بالكامل مؤيدة للجانب الفلسطيني وتغير خطابها من الخطاب العام الرافض اطلاقا للحروب الى خطاب إنساني رافض للفكر العنصري الاستعماري الاستغلالي , وتغير المخاطب فيها من اسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط وامتداد أوروبا الحضارية في القحال العربية إلى حكوماتهم و جامعاتهم مطالبيهم بتطبيق الشعارات الإنسانية وسحب تعاوناتهم واستثماراتهم في فلسطين المحتلة(١) . ادى ذلك اتهام الطلاب بالتهم الصهيونية الجاهزة التي سنتطرق اليها فيما بعد . وتم استدعاء عدد من رؤساء الجامعات لاستجوابهم في البنتاغون وتوضيح موقفهم المتمثل في بقائهم صامتين تجاه  الاحتجاجات التي صارت مؤيدة لفلسطين التي أطلق عليها - التزايد في المعاداة للسامية - . من هؤلاء رؤساء جامعة هارفرد و بنسلفانيا و كولومبيا و معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا . واتخذ هؤلاء موقفا وسطا يتبين من التمعن فيه ان الهدف الاول هو الخروج بأقل الخسائر  , حيث انهم قدموا استقالاتهم على اثر الضغط السياسي ولكنهم أيضا لم يقفوا ضد طلابهم . هذا على عكس ما قامت به نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا . حيث انها تعهدت في جلسة الاستجواب في السابع عشر من أبريل ( ١٧\٤\٢٠٢٤ ) أن تتصدى شخصيا لمعاداة السامية , وفي اليوم نفسه استدعت شرطة نيويورك لفض الاحتجاجات واعتقال أكثر من ١٠٠ طالب . وعلى اثر ذلك لم تزدد الاحتجاجات وحسب بل تحولت الى تظاهرات طلابية امتدت الى جامعات عدة حول الولايات المتحدة وكندا(٢) .



لماذا الاحتجاج 


الدولة كمصطلح قانوني هي مجموعة من الاجهزة التي توزع فيما بينها مجموعة الاختصاصات اللازمة لادارة شؤون الشعب المكون للدولة وحماية مصالحه و رخاءه  , واضيف اليه ان الرخاء هو رخاء نفسي ومادي . وهذه المصالح وهذا الرخاء صوره واشكاله تتغير بمرور الزمن وتغير الظروف وتطور وجهات النظر وتعمق الاستيعاب لمفهوم الإنسان وحاجاته ورغباته وهذا في مجموعه والمزيد يمثل الفلسفة التي تختار الدولة السير على نهجها في سياستها الداخلية والخارجية . 

أما النظام السياسي ضمن هذا السياق هو الاداة التي تطبق من خلالها الدولة فلسفتها , فهو الحاكم الذي يراقب تطبيقها تشريعيا وتنفيذيا . ولان فلسفة الدولة تتغير كما أسسنا , من الطبيعي أن لا تستطيع طبقة حاكمة واحدة مسايرة هذا التطور خصوصا انه ليس تطورا ذو نسق مستقر في أغلب الأحوال , تكون النظم الديمقراطية التي تمثل نظريا اسهل النظم التي تسمح بتغيير الطبقة الحاكمة , النظم المثلى لتأدية وظيفة الدولة وتحقيق غايات شعبها . فتتغير الطبقة الحاكمة من مشرعين وتنفيذيين اطرادا مع تغير حاجات الشعب وضرورات تحقيق رخاءه . وهكذا فإن العلاقة بين الشعب والدولة هي علاقة تمثيل فالدولة الديمقراطية هي الدولة التي يكون حاكمها انعكاسا للشعب في رغباته وآماله و مبادئه وأخلاقه . 

من خلال ما سبق شكلنا نموذجا تحليلا مألوفا هو مفهوم الدولة الديمقراطية يمكننا استخدامه في فهم الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إسقاطه عليها .

 

أن الاحتجاجات الطلابية مظهر مألوف دائما , فالطلاب الجامعيون هم الطبقة المثقفة التي ما زالت على احتكاك كامل بالأحداث الشعبية . اضافة الى شعور المحتجين بتورطهم المباشر في جرائم الاحتلال من خلال المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة من خزانتها الخاصة التي تعتمد بشكل كبير على أموال دافعي الضرائب ,والتي تقدر منذ عام ١٩٤٦ حتى عام ٢٠٢٣ ب٣٠٠ مليار دولار بعد ملائمة فرق التضخم(٣) مضافا اليها ٤ مليارات تقريبا في مارس ٢٠٢٤ (٤).  اما الجامعات الامريكية فهي تملك استثمارات عديدة تمكنها من  توسعة دخلها المؤسسي معتمدين بذلك على الاموال الممنوحة من الطلاب و المستثمرين التي وصلت في شهر فبراير الى ما يقارب ٥٠٠ مليار دولار (٥) . هذه الاستثمارات تشمل بشكل رئيسي صناعة السلاح و التطوير التقني وتطوير الذكاء الاصطناعي والتي تصب بقدر كبير في إسرائيل . كل هذا في ظل انحدار اقتصاد الطبقة المتوسطة الامريكية متمثلا بعدم القدرة على تملك العقارات وارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية دون مبررات اقتصادية حقيقية .

 الولايات المتحدة الامريكية خصوصا شهدت تظاهرات عديدة ومستمرة خلال الاشهر الماضية احتجاجا على السياسة الامريكية الداعمة لجرائم الاحتلال بشكل غير مشروط . أن الاحتجاجات شكلت ضغط ادى الى الكشف عن مرجعية السياسة الامريكية , ففي بادئ الامر كان يعتقد أن احتضان الولايات المتحدة لسياسة الكيان الصهيوني الاجرامية له أبعاد جيوسياسية وامنية امريكية , وهو ما كان معترضا عليه على أي حال وإن لم يكن الاعتراض واسعا .

 لكن استمرار العدوان الصهيوني و تحرك أعضاء المجتمع الدولي عن الموقف المحايد او الداعم للكيان الى الجانب الفلسطيني او المحايد , واستخدام الولايات المتحدة اربعة اصوات فيتو خلال هذه الحرب جميعها كانت ضد الفلسطينيين (٦), وآخرها منع عضوية الدولة الفلسطينية في منظمة الأمم المتحدة , وفي نفس الوقت عدم جني الولايات المتحدة حقا فائدة امنية او اقتصادية  ملموسة . فضلا عن كل ما سبق يشكل خرقا للمهمة الرئيسية للأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن الا وهي حفظ الامن و السلم الدوليين وذلك من خلال منح الحصانة المقننة لأكبر خارق لهما في المجتمع الدولي . حيث الكثرة المقلقة حقا للانتهاكات الصهيونية منذ نشأة الكيان .

كل ذلك يثير التساؤل عن مرجعية السياسة الامريكية الخارجية . فهل تتصرف الولايات المتحدة  مع نظرائها الدوليين على أساس مصالحها ام المصالح الاسرائيلية ؟. 

أما من الجانب الداخلي فكانت الحكومة المنتخبة ديمقراطيا بانتخابات نزيهة بالمرصاد لقمع ناخبيها في حال اعتراضهم على السياسة الداعمة لاسرائيل , فكان رجال الضبط حفاظا على الامن يصادمون المحتجين الذين لم يخلوا بالأمن , وسندهم في ذلك هو حماية المواطنين اليهود . بالرغم من اشتراك الطلاب و المواطنون اليهود في التظاهرات ضد الكيان الصهيوني . كما عملت هذه القوات على حماية التجمعات الصهيونية التي على قلة عددها وعدد حاضريها إلا أنها لم تكن إلا نداءات كراهية وعنصرية وترهيب كما هو متوقع . 

من جانب اخر فان مسيرات لمنظمة النازية الجديدة كانت تنظم منذ عام ٢٠٢٣ في فلوريدا و ولايات اخرى (٧), والنازية الجديدة هي حركة تنادي بتفوق العرق الابيض , بل انها تعلن رفضها للحوار الاقل تعصبا ,و عدائها الصريح للاعراق الاخرى , وهي ترفض انضمام النساء لها . ومسيرات هذه المنظمة كمنظمة kkk لا تعترض ولا يجري فيها اعتقالات ولا حتى غرامة ضوضاء , بالرغم من مخالفتها لأهم أسس المنظومة الأخلاقية الأمريكية . إنها الديمقراطية في ابها صورها . 

هذا بينما يسارع الكونغرس اليوم بالاضافة الى مجالس نواب الولايات الى تشريع قوانين للحد من معاداة السامية , متبنين في ذلك تعريف  منظمة التحالف الدولي لذكرى المحرقة اليهودية . في التشريع المعنون - H.R. 6090, the Antisemitism Awareness Act of 2023 -

 وهو تشريع يتضمن خرقا صارخا للتعديل الأول للدستور الامريكية الذي يحمي حرية التعبير . لكن من الواضح أن المشرع الأمريكي يأمل أن يصبغ هذا التشريع بطلاء الشرعية ولو بشكل مؤقت على إجراءات الفض العنيفة مستهدفين بذلك بشكل علني الاحتجاجات في الأحرام الجامعية . 

تعريف المنظمة لمعاداة السامية سنتطرق له فيما بعد , ومحلها هنا هو أن نذكر بيان الحكومة الاسرائيلية تجاه المنظمة والتي نشرته في موقعها الرسمي بفخر “ إن المحرقة وإرثها يشكلان بعدًا تكوينيًا لذاكرة إسرائيل الوطنية وهويتها كدولة يهودية وديمقراطية.  وينعكس ذلك في مشاركة إسرائيل الكبيرة جدًا في التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة ومساهمتها الفريدة في تحقيق ولاية المنظمة وأهدافها “(٨). 

والمهم هو التمعن والمقارنة بين الإجراءات التنفيذية والتشريعية وأهدافها ومرجعياتها . في مواجهة الجماعات المتطرفة العدائية والتي لها تاريخ اجرامي فعلي , وبين الاحتجاجات المنادية بالحرية وحماية المدنيين ورفض الاشتراك في الجرائم المرتكبة ضدهم . 


من خلال استعراض هذه الأحداث نرى أن النموذج الديمقراطي لا ينطبق على الوضع الحالي , وبينما العلاقة بين الحكومة في النظام الديمقراطي والشعب هي علاقة تمثيل , نرى أن العلاقة بين الحكومة الامريكية ومواطنيها ليست كذلك بل انها اليوم علاقة تقابل وتضاد , وترى  الحكومة أنها المسؤولة عن المواطنين وأنها التي تمتلك الخبرات و الرأي الصحيح ومن ثم فهي لا تمثل المواطنيين بل تحكمهم لأنها الأقدر على تحديد ورعاية حقوقهم . ونرى ذلك واضحا من خلال تصريحات النواب الجمهوريين دفاعا عن التشريع الذي ذكرناه بقولهم " مشروع القانون ضروري لحماية الطلاب اليهود وتوفير الوضوح للوكالات التي تطبق القانون " , وتصريح رئيس مجلس النواب الأمريكي مايكل برجس "الآن أكثر من أي وقت مضى، من المهم أن يكون تعريف الحكومة الفيدرالية لمعاداة السامية واضحًا وموحدًا"(٩). ولكن ماذا عن الطلاب اليهود المشاركين في الاحتجاجات , هل سيعمل القانون لحمايتهم ؟

 والسبب في عدم امكانية تحقق النموذج الديمقراطي بالرغم من النزاهة العالية في الانتخابات الامريكية وتوزيع السلطات القائم على الخبرة من خلال التاريخ الحكومي الامريكي . هو أن نموذج الديمقراطية المألوف الذي عرضناه يقوم على أساس مفترض هو المنافسة العادلة بين المرشحين الذين يملكون وجهات نظر واوليات مختلفة . نعم لا توجد مشاكل بارزة في التصويت او جمع الاصوات , لكن لمن سيصوت المواطن الأمريكي , هل يصوت للمرشح الجمهوري الذي يرى أن الفلسطينيين يجب أن يقتلوا بوسائل رحيمة , ام يصوت للمرشح الديموقراطي الذي يرى انهم يجب ان يقتلوا بالقنابل الكاسحة حتى لا يتألموا كثيرا . وهكذا لا تمثيل حقيقي لرغبات الناخبين في الكونغرس والسبب هو هيمنة جماعات الضغط الاجنبية ( foreign lobbies ) التي تسعى لخدمة مصالح دول أجنبية عن الولايات المتحدة من خلال دعم المرشحين المساندين لسياسات تلك الدول في السباق الانتخابي , ولا يهم ان كانوا من الحزب الديمقراطي او الجمهوري بل يفضل ان يكونوا من كليهما . ومن أهم هذه الجماعات هي الجماعات الاسرائيلية واقواها ايباك  ( AIPAC ) . 

وتعرف المنظمة عن نفسها في موقعها الرسمي بالتالي " نحن نقف مع أولئك الذين يقفون مع إسرائيل.  لجنة العمل السياسي (AIPAC ) هي لجنة عمل سياسية مؤيدة لإسرائيل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.  إنها أكبر لجنة عمل سياسية مؤيدة لإسرائيل في أمريكا وساهمت بموارد مباشرة للمرشحين أكثر من أي لجنة عمل سياسية أخرى.  98% من المرشحين المدعومين من أيباك فازوا في الانتخابات العامة عام 2022. "

وفي قسم آخر من الموقع تصرح المنظمة بالمبالغ التي أنفقتها في مهمتها السياسية  " لقد دعمنا 365 مرشحًا ديمقراطيًا وجمهوريًا مؤيدًا لإسرائيل في عام 2022 بأكثر من 17 مليون دولار من الدعم المباشر من خلال AIPAC." (١٠)

ونكرر ان ايباك ليست المنظمة الوحيدة بل إنها ليست المنظمة الاسرائيلية الوحيدة انما هي الاقوى , ومن ثم لنا ان نتخيل مقدار  التأثير الصهيوني على السياسة الامريكية الخارجية والداخلية . 

وهكذا لتفسير السياسة الامريكية و التنبؤ بتصرفاتها يجب أن نتبنى نموذجا آخر . وفي ذلك اقتبس من الدكتور حميد حنون خالد في كتابه ( النظم السياسية ) في ختام عرضه لخصائص النظام الدكتاتوري  " لا يسمح بتعدد الأحزاب وإنما يوجد حزب واحد يرتبط بالدكتاتور ويكون المعبر عن أفكاره وخططه . وفي الغالب تقوم هذه الأحزاب على الأيمان المطلق بشخص الزعيم والتعصب لكل ما يقوله وتتحول الى وسائل دعاية تروج لأطروحات الزعيم وأقواله ومن ثم تنفيذها. مع التذكير ان الاختلاف بالرأي والمعارضة الداخلية غير مسموح بها داخل الحزب . إذ يجب على أعضاء الحزب تنفيذ الأوامر والتوجيهات التي تصدر لهم من زعامة الحزب " .

 أن تعدد الأحزاب هو تعدد البرامج والأهداف والرؤى السياسية , وعليه أن تعدد الجماعات السياسية مع اشتراكها في الأهداف والرؤى ليس الا تعددا صوريا غير حقيقي . أما الزعيم السياسي فهو ليس بالضرورة الزعيم الحكومي وهو ليس بالضرورة ايضا ان يكون زعيما فردا . 

ان النظام الامريكي الحالي ومنذ زمن ليس بقليل لا يشكل حكومة ديمقراطية خالصة كما اسسنا وهي ليست دكتاتورية خالصة كذلك , فهي لا تملك خصائص النظم الدكتاتورية بالرغم من أن النتيجة التي وصلتها هي نتيجة واحدة . وهي تحول العلاقة بين الحكومة والشعب من علاقة التمثيل الى التضاد والتقابل , بل ستصل الى القمع والسيطرة بعد استكمال الإجراءات التشريعية . ومن ثم نقف أمام حالة مركبة , حكومة قائمة على أسس صممت للنظم الديمقراطية , لكن هذه الأسس تم تحويرها وتقييدها من اجل الوصول الى هيمنة الرأي الواحد , ومن ثم انحرف بتلك الاسس عن غايتها . وهذه الحالة ليست حالة جديدة مطلقا , انه الاسلوب الذي اتبعته الدول الاقوى في التحكم بالدول الاضعف . وهذه الحكومة ليست حكومة سلطوية ايضا فهذه الاخيرة هي التي تستخدم سلطتها الممركزة في تحقيق أهدافها الخاصة . والحكومة الامريكية لا تقوم على اساس اهدافها الخاصة . وتأسيسا على ذلك ارى ان الحكومة التي تشكل وفق هذا النظام هي حكومة نستطيع إجمال خصائصها تحت اسم دكتاتورية الأجنبي .



السامية ومعاداة السامية 


من اهم الوسائل التي تستخدم من قبل الحكومة الامريكية لتطبيق السياسة الاسرائيلية هي استخدام مفهوم معاداة السامية , لأنه حقا مدخل جيد لمن يريد توجيه مجتمع كانت من أهم مشاكله العنصرية ومحاربتها .

السامية هي تصنيف عرقي يطلق على الأشخاص المنحدرين من نسل سام ابن النبي نوح , و وهؤلاء يعددهم المؤرخون بأنهم العرب و الاشوريون والعبريين و الاراميين (١١)

أما معاداة السامية فهي الكراهية المؤسسة على الفكر العنصري و الموجهة لابناء سام , وعلى هذا الأساس فمعاداة السامية يجب أن تشمل الكراهية ضد العرب والآشوريين والآراميين و العبريين . 

إلا أن المثير للاهتمام هو حصر هذا المفهوم في إطار كراهية اليهود , وكراهية اي من ابناء سام لا تصنف على أنها معاداة للسامية , و نرى ذلك من خلال تعريف التحالف الدولي للتذكير بالمحرقة " معاداة السامية هي تصور معين لليهود، والذي يمكن التعبير عنه على أنه كراهية لليهود "

 والحقيقة  أن المصطلح الصحيح هو صبغ كراهية اليهود بمعاداة السامية , فاليهودية دين و السامية عرق , والفارق بينهما واسع جدا . واليهود ليسوا العبريين كذلك فهؤلاء بني اسرائيل الاصليين الذين آمنوا بالنبي موسى في مصر و الذين اختلطوا بشعوب العالم وكفر بعضهم باليهودية وامن البعض الاخر بالاديان السماوية الاخرى حين نزلت . وعلى أي حال لا يختلط الدين بالعرق لتعارض  طبيعة المفهومين(١٢) . و محاولة الخلط متعمدة وقديمة , ومن خلالها يدعي الصهاينة انهم هم العرق اليهودي السامي , فهم اولاد اسرائيل الذي ينحدر من ابراهيم و الذي ينحدر من سام , فهم وحدهم الابناء وليس غيرهم , ومن ثم فهم يخلقون تفسيرا جاهزا بسيطا وسطحيا لتشتت الفرق اليهودية حول العالم , فهي بالتأكيد عنصرية العالم القديم التي لم يسلم منها أحد . وان انت انتقدت يهوديا حتى وان لم يصل او يشعل شمعة في حياته فأنت بالتأكيد عنصري همجي من العالم القديم . وأهمية تسبيب التشتت اليهودي هي تفسير التناقضات التي تنشأ من تحويل اليهودية الى عرق بصرف النظر عن حقيقتها . و هذا التسبيب لا ينجح اطلاقا في غايته , ولنا ان نسأل ان حدث في أربعة آلاف عام أن يتزوج يهودي قط من الغير ؟ ماذا لو اراد احدهم ان يغير دينه ؟ هل سيبقى يهوديا ؟ ام سيكون عرقه يهوديا و دينه مسيحيا مثلا ؟ والحق أن الأدب الصهيوني من سنين طويلة يتغنى بأسطورة اليهود والأغيار , فاليهود هم المظلومون الضعفاء , الأبطال الأخيار , المنبوذون المتكدسين على أنفسهم . أما الأغيار فهم نبوخذنصر و البابا و الملك الكاثوليكي وهتلر . 

وهذه الاسطورة عنصر جوهري في التصوير الصهيوني لاسرائيل بأنها الملاذ الوحيد و الفردوس الارضي لليهود , و لذلك ان اي محاولة لدمج او تقبل اليهود في أي مجتمع هو عداء مباشر للصهيونية . وما أدل ذلك في مقدمة البيان الاسرائيلي الذي ذكرناه “ إن المحرقة وإرثها يشكلان بعدًا تكوينيًا لذاكرة إسرائيل الوطنية وهويتها كدولة يهودية وديمقراطية. … “


الحقيقة أن معاداة السامية هي تهمة تم توظيفها في العصر الحديث الذي توسعت فيه الحرب ضد العنصرية كسلاح في يد عنصرية . من خلال إدخال النقاش المهاجم للفكر الاستعماري الاستيطاني الإرهابي في دوامة الدفاع عن نفسه والانشغال بها عن الاستعمار والاستيطان و الارهاب . وهي  جريمة بلا سلوك جرمي , فالوقوف في وجه العدوان و القتل و التحريض والعنصرية ليس الجريمة بل هو الفضيلة . 

والنتيجة التي اتوقعها في المستقبل هي التخلي عن العنصر اليهودي في النقاش الصهيوني , فستكون الصهيونية هي السامية , وبعد ذلك التخلي تماما عن تهمة معاداة السامية مقابل تهمة جديدة متناسقة مع الحركات الحقوقية الجديدة , ولكن هذا يعتمد على النجاح في اندثار التنديد بالعنصرية في الحركات الحقوقية الحالية , وهو بالفعل لون الخطاب الصهيوني في المجتمعات الشرق أوسطية والافريقية والاسيوية التي لا تعد مشكلة العنصرية فيها كبيرة بشكل يجعلها محورا اساسيا في الحركات الحقوقية المحلية .



الهوامش

١- مقال إخباري من الBBC 

٢- ملخص لجلسة الاستجواب في مجلس النواب الأمريكي

٣- مقال منشور في موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية 

٤- مقال منشور على موقع منظمة ايباك 

٥- دراسة منشورة من خلال الرابطة الوطنية الامريكية لموظفي الأعمال في الكليات والجامعات

٦- تظهر التقارير أن أول فيتو استخدمته الولايات المتحدة كان عام ١٩٧٠ وأنها وصلت حتى اليوم الى ٨٤ تصويت وان اكثر من نصفها كان لمنع ادانة إسرائيل من قبل مجلس الامن .

٧- مقال إخباري من ال CBS

٨-صفحة إسرائيل في موقع المنظمة 

٩- تعليقات اعضاء الكونغرس في صحيفة بوليتيكو

١٠- موقع ايباك

١١- سعيد عوض باوزير معالم تاريخ الجزيرة العربية، الطبعة الثانية ١٩٦٦ . ص ٢٣

١٢-راجع الدراسة التي نشرناها في بداية الحرب والذي يسترسل في تفصيل هذا الموضوع




أحدث أقدم