الأعراف والتقاليد في مواجهة القانون

بقلم : مريم حسين رسول


لا شك بأن العرف هو أحد المصادر الرسمية للقانون وأن وجوده سابق على وجود القانون المكتوب، ففي المجتمعات القديمة لم يكن هناك تشريعات مكتوبة إلا ما ندر فكان العرف هو من يحكم النزاعات في تلك الحقبة. واليوم مع التطور الحاصل في المجتمعات البشرية وظهور الكتابة وصدور العديد من القوانين والتشريعات المكتوبة واعتبرها المصدر الأول للقانون كان لابد لنا من معرفة مدى تاثير بقاء العديد من هذه الأعراف والتقاليد على تلك النصوص القانونية وهل لبقائها اثر إيجابي أم سلبي؟ 

من المؤكد أن الأعراف تلعب دورين مختلفين في مجال القانون أولهما ايجابي والذي عن طريقه تكونت الكثير من القواعد القانونية والآخر سلبي يتمثل ببعض الأعراف الغير صحيحة (فاسدة) والتي تكون بمثابة عقبة أمام تطبيق القواعد القانونية ومنها على سبيل المثال في العراق بعض الأعراف العشائرية.

وهنا سنسلط الضوء على الجانب السلبي للأعراف وبشكل خاص بعض الأعراف العشائرية وسيكون الحديث عليها بأربع فقرات الأولى ما يتعلق بمفهوم العرف والأعراف العشائرية الثانية عن لمحة تاريخية لوجود الأعراف العشائرية في القوانين العراقية المتعاقبة الثالثة موقف دستور العراق النافذ لعام 2005 من الأعراف العشائرية والرابعة عن مدى تعارض الأعراف العشائرية مع مبادئ القانون الجنائي..

مفهوم العرف والأعراف العشائرية

للوصول للمفهوم الحقيقي للعرف لابد من الإشارة الى مفهومه لغة واصطلاحا… .

العرف لغة :-

جاءت كلمة العرف في المعاجم العربية بعدة معان، واستعملت عند العرب في كل ما هو مضاد للشر وهو رديف لمفردة المعروف الذي ورد في الكثير من الآيات القرآنية والذي يعد ضد المنكر كما في قوله تعالى ( يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُور ) سورة لقمان اية ١٧.

العرف اصطلاحا:-

تناول العلماء العديد من التعريفات للعرف حيث اختلفت تلك التعريفات بحسب وجهت نظر ذلك العالم ومن تلك التعريفات تعريف الجرجاني "العرف هو ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطباع بالقبول"

وتعريف الزرقا للعرف على أنه "هو عادة جمهور قوم، في قول أو فعل". و تعريف عند الفقيه الفرنسي  بلانيول "هو ذلك القانون الذي لم يصدر ابدا  عن هيئة  تشريعية، فهو يتكون من قواعد العادة، والتي تكونت شيئا فشيئا مع مرور الزمن".

وعموما فإن التعريف الأمثل للعرف هو الذي يشتمل على رك نا العرف المادي والمعنوي كما لو عرفناه بأنه سلوك يستمر الناس على القيام به لفترة طويلة إلى أن يعتقدوا بأن ذلك السلوك قد أصبح ملزما ففي القسم الأول من هذا التعريف يتبين الركن المادي المتمثل بالسلوك والقسم الآخر يشير للركن المعنوي المتمثل بالاعتقاد بإلزامية ذلك السلوك.

الأعراف العشائرية :-

أما بالنسبة للاعراف العشائرية فهي تعني اعتياد العشائر على سلوكيات معينة في التعامل فيما بينهم إذ كانوا يعتبرون هذه السلوكيات ملزمة في تنظيم علاقاتهم ومن أمثلة الأعراف العشائرية ما يسمى ب(الفصلية) ومفهوم هذا العرف هو في حالة حصول نزاعات بين العشائر يتم حلها بتقديم العشيرة نساء للزواج   وهذا الزواج يكون جبرا على تلك النساء وبدون رضائهم. ومن الأمثلة الأخرى للأعراف العشائرية ما يسمى ب(النهوة) وهذا العرف يقوم على أساس أنه في حال طلب امراة من أحد العشائر للزواج من أبن عمها ورفضت الإمرأة ذلك الزواج فإن لابن عمها استخدام النهوة ومنع زواج تلك  الامرأة من أي شخص آخر. ومن الأعراف الأخرى (الثأر)  ويعني أن ارتكب أحد أفراد العشيرة خطأ معين كالقتل مثلا فإن لعشيرة المقتول أن تأخذ بالثأر من القاتل أو احد أفراد عشيرته. وهذه الأعراف تعد من أبرز الأمثلة للاعراف العشائرية حيث يوجد أعراف أخرى لا يسعنا الوقت لذكرها.

لمحة تاريخية لوجود الأعراف العشائرية في القوانين العراقية المتعاقبة 

عندما كان العراق تحت الاحتلال البريطاني أصدر القائد البريطاني نظام دعاوى العشائر لسنة 1918 - باللغة الانجليزية، والمترجم إلى العربية ترجمة غير دقيقة - الذي بموجبه تم تحويل الأعراف والعادات العشائرية المتعلقة بالمنازعات إلى قواعد قانونية، وخول وزير الداخلية آنذاك تطبيقه، واكتسبت نصوصه صفة القانون بموجب المادة 114 من القانون الأساسي العراقي الصادر سنة 1925. وقد قسم النظام الدعاوى العشائرية النزاعات والخصومات التي تحدث بين ابناء العشائر الى ثلاثة اقسام

القسم الأول ينعقد فيها الاختصاص للقضاء حيث تتولى المحاكم الفصل فيها. القسم الثاني يتولى الحاكم البريطاني ومعاونوه سلطة الفصل فيها..اما القسم الثالث والاخير فهي يتم النظر فيها من قبل المجلس العشائري وهذا يعني ان المجلس يختص بالقليل من دعاوى العشائر ..... 

وقد اشترط النظام انذاك شروطا عديدة في الدعاوى التي ينظرها المجلس ومن هذه الشروط ان المجلس يتولى النظر فقط في الحالة التي يوافق عليها الحاكم او معاونوه ذلك انهم اصحاب الصلاحية في احالة الدعوى الى المجلس كما ان لهم سلطة الغاء قرار المجلس او نقضه وسلطة براءة المتهم حتى ولو قرر المجلس ادانته وسلطة رفض قرار المجلس في الزام من ثبت عليه الحق بدفعه وله سلطة نقل الدعوى الى مجلس عشائري اخر وغير ذلك من السلطات والصلاحيات التي تجعل ولاية المجلس محدودة جدا. وقد تم الغاء نظام دعاوى العشائر بعد قيام النظام الجمهوري بالمرسوم الجمهوري رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٨ المنشور في جريدة الوقائع العراقية ٣ في (٨ /٣/ ١٩٥٨) ومن ذلك نلاحظ ان هذا النظام تم تطبيقه في فترة الحكم البريطاني والحكم الملكي فقط.

و بالنسبة للقوانين الحالية فقد ذكرت الاعراف العشائرية في دستور العراق النافذ لعام ٢٠٠٥ وعلى التفصيل الذي سيتم ذكره فى الفقرة التالية .

موقف دستور العراق النافذ لعام 2005 من الأعراف العشائرية

لقد كان موقف دستور العراق واضحا وصريحا بخصوص هذا الموضوع إذ نصت المادة ٤٥/ ثانيا على الآتي :- ( تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة بما يساهم في تطور المجتمع وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان ) . ومن خلال هذا النص نلاحظ أن الدستور قد منع الأعراف العشائرية التي تتعارض مع حقوق الإنسان ففكرة الفصلية تتعارض بالتأكيد مع حقوق الإنسان إذ لا يجوز اعتبار المرأة سلعة وإعطائها للزواج لحل النزاعات بين العشائر كذلك الأمر بخصوص الثأر فقتل شخص بريء لم يشارك في الجريمة لمجرد كونه من نفس عشيرة القاتل امر متنافي بشكل تام مع حقوق الإنسان والكلام نفسه ينطبق على(النهوة) اذ لا يحق لأحد أن يمنع المرأة من الزواج بدون سبب معقول.

مدى تعارض الإعراف العشائرية مع مبادئ القانون الجنائي

إن الإعراف العشائرية تتعارض مع الكثير من مبادئ القانون الجنائي كمبدأ شخصية العقوبة حيث كما ذكرنا أن الشخص يستطيع أخذ الثأر من أفراد العشيرة بغض النظر عما إذا كان قد ارتكب الخطأ أم لا وهذا يتنافى مع مبدا شخصية العقوبة والذي يُلزم أن تقع العقوبة على الشخص الفاعل فقط ولا تمتد لغيره. كما وتتعارض هذة الاعراف مع مبدأ قضائية العقوبة حيث يُلزم هذا المبدأ أن تفرض العقوبة من قبل القضاة في المحاكم.

كما أن هذه الأعراف تتنافى مع مبدأ شرعية النص الجنائي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) حيث لا يجوز لأي أحد أن يجرم أفعال ويضع العقوبات لم يرد ذكرها في قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل .

كما أن بعض هذه الأعراف تبيح للزوج قتل زوجته لمجرد الشك بخيانتها  وهذا الأمر يتنافى مع مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته وعليه لا يجوز إنزال العقوبة لمجرد الشك حيث اوجب قانون العقوبات لتخفيف عقوبة الزوج أن يكون الزوج متيقنا من خيانة زوجته.

علما أن هذه المبادئ بالإضافة إلى كونها مبادئ جنائية فهي مبادئ دستورية ايضا ولا يجوز مخالفتها. 

وفي نهاية الكلام يجب أن أؤكد على أن أغلب العشائر العراقية قد تخلت عن هذه الأعراف ولكن بقى بعض العشائر متمسكاً بها من ما يستوجب اتخاذ قرارات حاسمة بهذا الخصوص والتوقف عن إمساك العصا من المنتصف والوقوف وقفة جادة ضد هذه الاعرف  لمنع الانتهاكات القانونية. 

المصادر 

دفاتر السياسة والقانون العدد الخامس عشر الفصل الاعراف العشائرية في ظل الدستور و القوانين العراقية ص627

مجلة التراث سلطان العرف وتاثيره على القوانين ص128

أحدث أقدم