الجزاء الجنائي ينقسم الى قسمين الاول هو العقوبات و القسم الاخر هو التدابير الاحترازية وكلا القسمين يخضع لنفس المبدا -لا جريمة ولا عقوبة لا بنص- اي ان القاضي ملزم بتكييف الواقعة المعروضة امامه بوصف قانوني وتقرير احدى العقوبات المنصوص عليها في القانون اي ملزم بما هو مقرر قانونا لا يستطيع الخروج عنه بتجريم ما هو غير مجرم وفرض عقوبات لم ينص عليها القانون
وموضوع قولي هو القسم الثاني من الجزاء
اي التدابير الاحترازية
لنتطرق اولا لمفهوم التدابير الاحترازية
التدابير الاحترازية هي مجموعة الاجراءات التي يقررها القانون و يوقعها القضاء لمواجهة الخطورة الاجرامية الكامنة في شخصية مرتكب الجريمة بهدف حماية المجتمع من هذه الخطورة
التدابير الاحترازية يتم ايقاعها ضد الاشخاص التي تنبئ حالتهم الخطرة على اقدامهم على الاجرام فهي تتعلق بجانب نفسي اي بنفسية المتهم ولذلك من الصعوبة تقدير الحكم بها .
التدابير الاحترازية هي اجراءات وقائية وظيفتها
1-مواجهة الخطورة الاجرامية و القضاء عليها قبل ان تتحول الى جريمة تضر بالمجتمع
2-المنع الخاص اي القضاء على الحالة الخطرة الفردية فهي تؤثر على سلوك الفرد بشكل يجنب المجتمع خطورة الفرد الاجرامية
تتميز التدابير بكونها تنطوي على الاصلاح و التاهيل من خلال القضاء على العوامل المسببة للخطورة الاجرامية لدى الفرد كابعاده عن البيئة التي تدفعه لارتكاب الجريمة او مصادرة الادوات التي تسهل عليه ارتكاب الجريمة
تتسم التدابير الاحترازية بعدة سمات
1-لا يتم ايقاعه الا بامر قضائي
لحماية حقوق وحريات الافراد واحاطة التدابير بالضمانات القانونية المتعلقة بحيادة القاضي و استقلاله
2-ينفذ جبرا على المتهم
فلا تتوقف على ارادة المتهم حتى وان كان التدبير لصالح المتهم كتدابير علاجية او وسائل مساعدة لا يمكن للمتهم رفضها
3-يرتبط بالخطورة الاجرامية للمتهم
فالمشرع يقرر هذه التدابير لمواجهة هذه الخطورة فالتدابير تدور مع هذه الخطورة وجودا وعدما
4-غير محددة المدة
يرى الفقه ان التدابير الاحترازية لا يمكن تحديد مدة لها عند ايقاعها على المتهم وذلك لارتباطها بالخطورة الاجرامية له وبالتالي فان القاضي لا علم له بوقت زوال الخطورة الاجرامية للمتهم الا ان التشريعات العقابية عادة ما تحدد مدة لهذه التدابير كضمانة لحقوق الافراد وحرياتهم من تعسف القضاة في استعمال السلطة
5-تتجرد من اللوم الاخلاقي
اذ هو مجرد وسيلة لحماية المجتمع من الخطورة الاجرامية الكامنة في نفس المتهم سواء عن طريق اصلاح هذا المتهم والقضاء على العوامل الاجرامية التي فد تدفعه لارتكاب الجريمة او عن طريق تحييد خطورته الاجرامية اي وضعه في ظروف تمنعه من الاضرار بالمجتمع
6-الخضوع لمبدا المساواة
يتم فرضها على المتهمين دون تمييز شانها في ذلك شان العقوبة
7-عدم الارتباط بالمسؤلية الجزائية
يمكن توقيع التدبير على شخص غير مسؤل جزائيا ما دامت هناك عوامل دالة على خطورته الاجرامية
8-تتجه نحو المستقبل
فالغاية من ايقاع التدبير على المتهم ليس جزاءا على فعل اجرامي وقع بالماضي بل لمنع اقدامه على فعل اجرامي مستقبلا
ان الهدف من التدابير الاحترازية يختلف باختلاف كل حالة اجرامية ولذلك تختلف التدابير الاحترازية باختلاف الهدف الذي تسعى لتحقيقه
1-تدابير تستهدف التهذيب والاصلاح
2-تدابير تستهدف العلاج والرعاية
3-تدابير تستهدف مباشرة الدفاع والرقابة
ويطبق النوع الاول على الاحداث و الصم والبكم ويطبق النوع الثاني على مرضى العقل و المجرمين الشواذ اما النوع الاخير فيطبق على المجرمين العائدين والمعتادين على الاجرام
وعلى الرغم من اختلاف التدابير حسب الاهداف التي تسعى لتحقيقها الا ان جميعها باختلاف انواعها تسعى لتحقيق هدف اساسي و هو القضاء على الخطورة الاجرامية لدى المتهم والحيلولة دون اقدامه على ارتكاب اي فعل اجرامي في المستقبل من خلال ازالة العوامل الدافعة للاجرام
شروط فرض التدابير الاحترازية
1-سبق ارتكاب جريمة
لا يمكن فرض اي تدبير احترازي مالم يرتكب المتهم جريمة وذلك ضمانا لمبدا المشروعية وضمانا لحقوق الافراد و حرياتهم لان القول بايقاع تدبير احترازي على شخص لم يسق له ارتكاب جريمة بحجة هناك عوامل تنم عن خطورة اجرامية واحتمالية ارتكابه جريمة يعني مصادرة للحريات الفردية ومخالفة لمبدا المشروعية وهذا الشرط اخذ به غالبية الفقهاء و على الرغم من ذلك الا ان هناك جانب من الفقه انتقد هذا الاتجاه على اساس ان فرض التدبير الاحترازي يجب ان يحول دون وقوع الجريمة اي ان اذا ثبتت الخطورة الاجرامية لشخص ما فيكون من غير المنطقي انتظار وقوع الجريمة حتى يتم فرض التدبير المناسب فهذا القول يتناقض و طبيعة التدابير الاحترازية وقد انعكس هذا الجدال الفقهي على موقف التشريعات فهذه التشريعات تلجا احيانا لفرض التدابير الملائمة دون اشتراط سبق ارتكاب جريمة وذلك وفقا لضرورات الوقاية من الاجرام التي تدفعها الى الخروج عن هذا الشرط
2-الخطورة الاجرامية
وهي الشرط الاساسي لايقاع التدبير الاحترازي فهي تدور مع التدابير وجودا وعدما و ومناط فرضها و اختلفت تعريفات الفقه للخطورة الاجرامية فهناك من يربط الخطورة الاجرامية بارتكاب جريمة سابقة وهناك من ينظر الى الخطورة الاجرامية نظرة مجردة دون ربطها بارتكاب جريمة سابقة فالاتجاه الاول يعرف الخطورة الاجرامية على انها احتمال ارتكاب جريمة تالية واما الاتجاه الاخر فيعرف الخطورة الاجرامية بانها حالة نفسية يحتمل من جانب صاحبها ان يكون مصدرا لجريمة مستقبلية
ويبدو ان لنظرية الخطورة الاجرامية سند علمي مفاده ان هناك عوامل تؤدي الى الجريمة سواء كانت هذه العوامل داخلية ترجع الى تكوين الجاني البدني او العقلي او النفسي او عوامل خارجية ترجع الى البيئة الاجتماعية
تختلف انواع التدابير بحسب تقسيماتها
1-حسب طبيعتها
ا-تدابير تاهيلية تهدف الى علاج الجاني اذا كان مريضا او تعليمه حرفة اذا كان عاطلا
ب-تدابير تعجيزية يراد بها تجريد الجاني من الوسائل المادية التي قد يستعملها لارتكاب جريمة
ج-تدابير ابعادية تهدف الى ابعاد الجاني عن البيئة التي يحتمل ارتكاب الجريمة معها كحظر تواجده في اماكن معينة او حظر اقامته في اماكن معينة
2-من حيث موضوعها
ا-تدابير شخصية تكون التدابير كذلك عندما تكون ماسة بذات المحكوم عليه وتقسم الى مقيدة للحرية كوضع الجاني تحت مراقبة الشرطة وسالبة للحرية كمنعه من مزاولة بعض المهن او منعه من حمل الاسلحة
ب-تدابير عينية وتكون كذلك عندما تنصب على الاشياء التي استعملها الجاني في ارتكاب الجريمة كمصادرة بعض الادوات او اغلاق المحل
المشرع العراقي اورد انواع التدابير الاحترازية في المادة 104
اول تنظيم تشريعي للتدابير الاحترازية كان في مشروع قانون العقوبات السويسري سنة 1893 على يد الاستاذ ستوس ثم نصت عليها بعض قوانين العقوبات مثل القانون الايطالي و القانون السويسري
المراجع
1-علم الاجرام و العقاب صفحة 89-106 محمد ابراهيم الدوسقي علي
2-علم العقاب الحديث صفحة 93-103 جمال ابراهيم الحيدري
3-نصت المادة 104 من قانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة 1969 المعدل ( التدابير الاحترازية اما سالبة للحرية او مقيدة لها او سالبة للحقوق او مادية )