و التقادم على عدة انواع فهناك تقادم مكسب اي مرور المدة التي يكتسب من خلالها الافراد حقا عينيا وهنالك تقادم مسقط لحق لم يستعمله صاحبه طوال مدة التقادم . وهناك تقادم مانع من سماع الدعوى و هو مجرد حائل من سماع دعوى المطالبة بالحق دون سقوطه . ولا يجوز تبني القانون لكلا من التقادم المسقط والتقادم المانع من سماع الدعوى في نفس الموضوع اذ كلا النوعين على اتجاهين متعاكسين فاحدهم يقر بسقوط الحق بعد فوات المدة واخر على عكسه يقر بوجود الحق على الرغم من فوات المدة .
و التقادم يجد اساسه الحقيقي في القوانين المدنية و ذلك لان موضوع هذه القوانين هي حقوق شخصية لا تتعلق بالنظام العام والمجتمع و بالتالي فان التقادم يساعد على استقرار المعاملات و الحث على الاسراع بالمطالبة بالحقوق قبل فوات المدة المحددة وحماية للحقوق المكتسبة بحسن نية اذ ليس من العدل ان يطالب شخص بحق قد مضى عليه دهر وبالتالي فان التقادم بمثابة جزاء لاصحاب الحقوق على اهمالهم للمطالبة بحقوقهم مدة طويلة .
و لكن السؤال الذي يثار ما هو اساس التقادم في القوانين الجنائية وما الغاية المتوخاة من اقرار مفهوم التقادم في هذه القوانين . على اساس ان القوانين الجنائية تحمي حقوقا على قدر كبير من الخطورة وتتعلق بالمجتمع والنظام العام فيه .
التقادم في القانون الجنائي على نوعين تقادم دعوى و تقادم عقوبة و الفرق بين النوعين يكون من حيث صدور حكم بات بالنوع الثاني دون الاول فتقادم الدعوى يعني فوات المدة المحددة قانونا دون اتخاذ اي اجراءات قانونية او قد اتخذت الاجراءات القانونية دون صدور حكم بات بشانها اما تقادم العقوبة فيعني صدور حكم بات في الدعوى دون تنفيذه على مرتكب الجريمة
بعض النظم القانونية لبعض الدول تقر مفهوم التقادم في تشريعاتها الجنائية على عكس النظام القانوني في العراق اذ لم ياخذ به كقاعدة عامة وانما اخذ به على سبيل الاستثناء في بعض النصوص القانونية المتفرقة في قوانين متعددة من هذه النصوص المادة 6 من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 و المادة 378 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969
من النظم القانونية التي اخذت بمفهوم التقادم في تشريعاتها الجنائية وبنوعيه –تقادم العقوبة وتقادم الدعوى- هي النظام القانوني المصري و ذلك في المادة 15 من قانون الاجراءات الجنائية المصرية و كذلك النظام القانوني الفرنسي في المواد 7 8 9 من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي
و قد حددت هذه النظم القانونية مدد التقادم تبعا لوصف الجريمة بكونها جناية او جنحة اي ان مدد التقادم اختلفت تبعا لجسامة الجريمة فهذين التشريعين اخذا بمبدا تدرج مواعيد التقادم وفقا لجسامة الجريمة المرتكبة وهذا التكييف يعتمد على الوصف الذي تنتهي اليه المحكمة في وصف الجريمة
و قد اختلفت الاسس والنظريات التي يقوم عليها مفهوم التقادم في التشريعات الجنائية
1-نظرية العقوبة المعنوية
تقوم هذه النظرية على اساس نفسي وهو الاضطراب والقلق النفسي الذي يراود مرتكب الجريمة طيلة المدة المحددة للتقادم و هذا الاضطراب والقلق ليس الا عقابا معنويا
2-نظرية النسيان
يرى اصحاب هذه النظرية انه من الافضل لتحقيق الامن الاجتماعي نسيان الجريمة بعد مضي مدة معينة على اساس ان العقوبة لم تقرر الا لاقامة النظام العام و المحافظة على الامن الاجتماعي و بالتالي فان مرور مدة ليست بقصيرة على ارتكاب الجريمة قرينة قانونية على نسيانها وليس من مصلحة المجتمع ان يختل توازنه بعد هذه المدة الطويلة و بهذه النظرية اخذ القضاء المصري
3-نظرية ضياع الادلة
يقيم اصحاب هذه النظرية مفهوم التقادم في القانون الجنائي على اساس ان مرور مدة معينة على ارتكاب الجريمة دون محاكمة مرتكبها يؤدي الى ضياع الادلة او عدم وضوح معالمها
4-نظرية الاهمال
و اساس هذه النظرية هو الاهمال من جانب المجتمع في مباشرة سلطته في معاقبة مرتكب الجريمة في الوقت الملائم
5-نظرية التوفيق بين الواقع و القانون
اصحاب هذه النظرية وهم الالمان ذهبوا الى ان التقادم وضع للتوفيق بين الواقع و هو ابتعاد الجاني عن دائرة العقاب و بين القانون الذي يوجب عقاب هذا الجاني فالتقادم ما هو الا حيلة قانونية لاضفاء المشروعية على فرار المتهم من العقاب مدة طويلة من الزمن
6-نظرية التوازن القانوني
هذه النظرية يرى اصحابها ان وظيفة العقوبة هو اعادة التوازن الاجتماعي بعد اختلاله بسبب وقوع الجريمة فحسب قول فقهاء هذه النظرية ان هذه الوظيفة يمكن ان يؤديها الوقت ايضا عن طريق التاثير المستمر لعلاقات المواطنين بالجاني
7-نظرية انفكاك الرابطة بين المجرم والجريمة
اساس هذه النظرية ان توقيع العقوبة على الجاني بعد مرور الوقت على ارتكاب الجريمة سيجرد العقوبة من الغاية المتوخاة منها وهي تحقيق الردع الخاص
8-نظرية الاسراع في الاجراءات
يرى جانب من الفقه ان سرعة الفصل في الدعوى الجنائية ضمان هام في المحاكمة الجنائية العادلة فلا يصح ان يبقى التهديد بالعقوبة على متهم الاصل فيه البراءة مدة طويلة من الزمن دون وضع حد لهذه الحالة
9-نظرية الاستقرار القانوني
ان منطلق هذه النظرية هو ان قانون العقوبات يتدخل لحماية المصالح الجوهرية في الدولة وبتدخله يوفق بين المصالح المتضاربة ويرجح احداها على الاخرى
في راينا نؤيد توجه المشرع العراقي بعدم اقرار مفهوم التقادم في التشريعات الجنائية ذلك لان القوانين الجنائية تحمي مصالح على درجة كبيرة من الاهمية فهذه التشريعات لا تحمي مصالح وحقوق شخصية يمكن لاصحابها التنازل عنها او اهمال المطالبة بها بل تحمي مصالح تتعلق بالمجتمع و استقرار النظام والامن فيه فاهمال ايقاع العقاب على اي مرتكب جريمة ينطوي على تشجيع ضمني لارتكاب الجرائم ويدفع بمرتكبيها الى الفرار من العقاب اذ بفرارهم مدة معينة ستسقط عنهم العقوبة ولا يمكن تحريك الدعوى ضدهم وكانهم محصنين قانونا من العقاب . فضلا عن ذلك ليس جميع الجرائم يمكن نسيانها بمرور فترة معينة حتى وان كانت طويلة فهناك جرائم مثل الاغتصاب وهتك العرض و الاعتداء المفضي او بقصد احداث عاهة مستديمة فهي لا تؤثر على المجتمع بقدر ما تترك اثر في المجني عليه اذ ان اثرها شخصي معنوي اكثر مما هو اجتماعي يخل بامن واستقرار المجتمع وبالتالي لا يمكن ان تتحقق العدالة الا بايقاع الجزاء المناسب على مرتكب الجريمة . فعدم اقرار التقادم في التشريعات الجنائية ينطوي على حماية وضمان مستمر لحقوق الافراد .
المراجع
-الدفوع الشكلية في الدعوى الجزائية صفحة 117-122 جاسم محمد سلمان
-ذاتية القانون الجنائي صفحة 203-209 فاضل عواد محميد الدليمي
-انظر المادة 15 من قانون الاجراءات الجنائية المصري
–انظر المواد 7 8 9 من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي
-مفهوم واساس التقادم في القانون المدني ياسر قورباني