بقلم : ياسر عمار العيبي
سنتطرق في هذا البحث الى :
- مفهوم النزاع الدولي وانواعه وطرق تسوية المنازعات
- التحكيم الدولي
- تعريف التحكيم الدولي لغة واصطلاحا وتشريعا
- اوجه الشبه والاختلاف مابين التحكيم والقضاء
- التطور التاريخي للتحكيم الدولي
- مايجوز عرضه على التحكيم
- هيئة التحكيم
- محمكمة التحكيم الدائمة
- اجراءات وقرارات محكمة التحكيم
- الجوانب الايجابية للتحكيم
- ماهو مطلوب من المحكم
- الجوانب السلبية للتحكيم
تمهيد
------------
فرض وجود علاقات بين الدول وأشخاص المجتمع الدولي عموما نشوب العديد من المنازعات بسبب اختلافات وجهات النظر والمبادئ التي تؤمن بها الاطراف المتنازعة، لهذا حرص المجتمع الدولي على وضع اسس الصحيحة لحل هذه المنازعات بما يكفل حماية السلم والامن الدوليين، خاصة بعد أن أصبح تحريم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية من أهم المبادئ القانونية المكرسة في القانون الدولي المعاصر.
مفهوم النزاع الدولي:
تعريف النزاع الدولي:
عرفت محكمة العدل الدولية الدائمة في قرارها لسنة 1924 بشأن قضية مافروماتيس بين بريطانيا واليونان النزاع الدولي بأنه
ذلك الخلاف بين دولتين على مسألة قانونية أو حادث معين أو بسبب تعارض وجهات نظرهما القانونية أو مصالحهما.
ومع التطورات التي شهدها المجتمع الدولي والتغيرات التي طرأت على قواعد القانون الدولي عملت محكمة العدل الدولية على تكييف مفهوم النزاع الدولي مع هذه المستجدات،
لذلك نجدها تعرف النزاع الدولي في حكمها الصادر سنة 1960 بمناسبة قضية حق المرور في الاراضي الهندية بين البرتغال والهند بأنه:
عدم الاتفاق حول مسألة من الواقع أو القانون بين أشخاص القانون الدولي .
من خلال هذين التعريفين يمكننا القول بأن النزاع حتى يكتسب الصفة الدولية لابد أن تتوفر فيه شروط هي
-1أن يكون النزاع بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي فقد يكون النزاع بين دولتين
مثل نزاع بريطانيا واسبانيا حول جبل طارق، وقد يكون النزاع بين دولة ومنظمة دولية
. أما المنازعات التي تثور بين أفراد ينتمون لجنسيات مختلفة فتخرج عن نطاق القانون الدولي وتخضع في أحكامها لقواعد القانون الدولي الخاص، إذ أنها تعد من قبيل المنازعات الفردية.
2-أن تكون هناك ادعاءات متناقضة بين أشخاص النزاع يستوجب تسويتها؛ ما يعني أن الاختلافات في وجهات النظر لا يمكن اعتباره نزاعا دوليا لان هذا الاختلافات
لا يترتب عليها حقوق لاحد الطرفين أو مراكز قانونية،
كما يجب أن تكون هذه الادعاءات المتناقضة مستمرة .
3-أن يكون الخلاف قابلا للتسوية طبقا لقواعد تسوية المنازعات الدولية، إذ لايعد نزاعا دوليا الاختلافات الايديولوجية.
. وقد جرى الفقه والتعامل الدولي على التمييز بين نوعين من المنازعات الدولية , المنازعات القانونية والمنازعات السياسية
النوع الأول يصلح لأن تنظر فيه محكمة دولية ، محكمة تحكيم أو محكمة عدل، تقضي طبقاً لقواعد القانون الدولي،
والنوع الثاني لا يصلح لأن تنظر فيه محكمة دولية، ويمكن الرجوع بشأنه إلى طرق التسوية الأخرى كالوساطة أو التوفيق.....
وهناك نوع ثالث من المنزاعات يطرحه بعض الفقه وهو المنازعات الفنية التي يتم تسويتها عن طريق الوكلات المتخصصة التي تكون عادة ملمة بالمشكلات الفنية
أما طريقة تسوية المنازعات فهي تختلف بحسب كل منها.
فالمنازعات القانونية تحل عادة بالتحكيم أو القضاء الدوليين على أساس قواعد القانون الوضعي [1]، في حين أن المنازعات السياسية لا يمكن حلها إلا بطرق دبلوماسية أو سياسية يراعي فيها بالدرجة الأولى التوفيق بين مختلف المصالح المتضاربة .
وعندما ينشب نزاع دولي يكون من الضروري تسويته بالطرق السلمية.
وقد ورد النص على هذه الطرق وتنظيمها في المواثيق الدولية الكبرى كاتفاقية لاهاي لسنة ۱۹۰۷ بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، وعهد عصبة الأمم سنة ۱۹۱۹، وميثاق لوكارنو سنة ١٩٢٥ ، وميثاق التحكيم العام لسنة ۱۹۲۸ .. الخ.
أما ميثاق الأمم المتحدة فقد ألزم الدول الأعضاء جميعها بفض منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر [ 2]وبالامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة [ 3]
. ثم تناول الميثاق تعداد تلك الوسائل السلمية،
فنصت المادة ۳۳ منه على أنه يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها ونص الميثاق كذلك في عدة مواضع على اختصاص الجمعية العامة أو مجلس الأمن بإصدار التوصية اللازمة لحل النزاع سلمياً إذا تعذر حله بإحدى الوسائل المتقدم ذكرها [ 4]
ويمكن تصنيف مختلف طرق التسوية السلمية للمنازعات الدولية إلى
1-الطرق الدبلوماسية
2-الطرق السياسية
3-التحكيم الدولي (مدار بحثنا)
4-التسوية القضائية
التعريف بالتحكيم
سأتطرق بأختصار عن تعريف التحكيم لغة واصطلاحا وتشريعا
التحكيم في اللغة:
حَكَمَ بالأمر يحكُم حُكْمًا: قضى، يقال: حكم له، وحكم عليه، وحكم بينهم، وحكَّم فلانًا في الشيء أو الأمر: جعله حكمًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ ] 5[
. تعريف التحكيم فقهاً
يختلف مفهوم التحكيم من فقيه الى آخر، وذلك حسب المرجع والنظام القانوني التابع له الفقيه، وبالعموم وبعيداً عن الاختلاف والتنوع في هذا السياق، فإن تعريفات الفقهاء سواء على الصعيد الشرعي أو الوضعي تتشابه في المضامين والغايات من التحكيم وهو حسم النزاع المثار بين أطرافه، وتسويته بواسطة شخص أو أكثر يختارهم الأطراف بمحض ارادتهم دون الرجوع للمحكمة المختصة فعلى الصعيد الشرعي، عَرّفَ فقهاء المسلمين التحكيم بانه تولية الخصمين حكما يحكم بينهما اي اختيار ذوي الشأن شخصاً للحكم فيما تنازعاً فيه دون ان يكون للمحكم ولاية القضاء بينهما (6) ،
وَعُرّف ايضاً بانه اتفاق الخصوم على تولي رجل او اكثر اصلا في ان يفصل فيما تنازعا بحكم الشرع دون القاضي المولى (7).
أما على الصعيد الوضعي
فذهب الفقه الفرنسي إلى تعريف التحكيم بأنه وسيلة ودية أو سلمية لتسوية الخلافات بواسطة شخص أو عدة أشخاص عاديين (عددهم فردي) يسمون محكمين (8) .
وعرفه الفقيه (Boisseson) بأنه : نظام" يتمتع الأفراد في ظله بحرية بتعيين محكمين يعهد إليهم مهمة حسم نزاعاتهم (9). وهذا النهج تعريف التحكيم هو ما فعله الفقه العربي، فعرفه الدكتور محمد الروبي بأنه أسلوب لفض المنازعات ملزم لأطرافها، ويبنى على اختيار الخصوم بإرادتهم أفرادا متخصصين للفصل فيما يثور بينهم أو يحتمل أن يثور بينهم من نزاع (10).
وعرفه الدكتور احمد أو الوفاء بأنه: "نزول الخصوم عن الالتجاء إلى القضاء مع التزامهم بطرح النزاع على محكم او اكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم [ 11]
تعريف التحكيم تشريعا
لعل أحسن تعريف للتحكيم هو التعريف الذي أوردته اتفاقية لاهاي الأولى المعقودة سنة ١٩٠٧ بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، حيث نصت في المادة ٣٧ منها على أن [[ الغرض من التحكيم الدولي هو تسوية المنازعات فيما بين الدول بواسطة القضاة الذين تختارهم وعلى أساس احترام القانون الدولي]]
يتضح لنا من خلال هذه التعريفات نتائج اهمها
يتضح لنا بعد التدقيق بما ورد من التعريفات اللغوية والفقهية والتشريعية والقضائية، الى ان التعريف اللغوي للتحكيم لم يفرق بين التحكيم والقضاء، فالقاضي محكم والمحكم قاض، بخلاف التعريفات الاصطلاحية للتحكيم الذي فرقت بينهما، حيث أن التحكيم يتولاه حاكم يختاره الخصمين برضاهما وليس القاضي كما هو الحال في القضاء.
٢- كما يتضح ان التحكيم يقوم على ثلاث عناصر ، أولهما اتفاق الاطراف الذي يتمثل في اتفاق المتعاقدين على حل النزاع الذي ينشأ في العقود بواسطة التحكيم، وهو ما يسمى شرط التحكيم، وقد يتفق المتعاقدين على حل نزاع معين نشأ بالفعل عن طريق التحكيم، وهو ما يسمى بمشارطة التحكيم.
وثانيهما: حرية اختيار المحكم الذي يمنح بموجب اتفاق التحكيم صلاحية الفصل في موضوع النزاع بقرار ملزم
. اما العنصر الثالث : يتمثل بوجود نزاع قائم فعلاً أو سوف يقوم لاحقا بين المتعاقدين. وعليه فأن التحكيم يمر بثلاث مراحل تبدأ بالاتفاق على التحكيم، ثم إجراءات نظره والفصل في موضوعه، ثم تنفيذ الحكم الصادر في تلك الخصومة.
3-يتضح لنا بأن التحكيم الدولي هو عبارة عن وسيلة رضائية اختيارية تقوم على الإرادة الحرة لأطراف النزاع من أشخاص القانون العام، حيث ان أطراف النزاع يتفقوا على جميع جوانبه كأسلوب انعقاده والإجراءات المتبعة في انعقاده، وما هو الموضوع الذي يخضع له، وما هو القانون الواجب التطبيق عليه، بدلا من الاعتماد على إجراءات التقاضي الاعتيادية في نظام قانوني محدد لدولة معينة والعمل على تسوية ما يتولد بينهم من منازعات بواسطة محكمين دوليين مع وجوب التزامهم بالحكم الصادر عنهم ، شريطة إقرار المشرع وموافقة المشرع على اللجوء الى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات فيما بينها.
4-كما ان التحكيم الدولي لا يعتبر من وسائل التسوية الدبلوماسية كالمساعي الحميدة، أو الوساطة، أو التحقيق، أو التوفيق ، حيث يقتصر دور هذه الوسائل على إبداء رأي، أو إصدار توصية، أو إثبات واقعة أو مجرد التقريب في وجهات النظر بين الدول المتنازعة والرأي في النهاية للأخذ بها منوط بالأطراف، وهذا كله بخلاف التحكيم الدولي الذي يرد على الخلاف أو النزاع القانوني الذي ينشأ بين الدول ويمكن الفصل فيه طبقاً لأحكام القانون الدولي العام السارية وقت الخصومة، حيث يكون الحكم نهائياً وملزماً للأطراف.
الفرق والشبه بين القضاء الدولي و التحكيم
اوجه الشبه
يتضح من هذا النص أن التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية لا يختلف عن القضاء الدولي بالمعنى الدقيق، فكلاهما طريقة قانونية لتسوية المنازعات الدولية،
وكلاهما يستند الى القانون في تسوية المنازعات الدولية
وكلاهما ايضاً يستلزم اتفاق الأطراف المتنازعة على عرض منازعاتهم على التحكيم أو القضاء
والفرق الوحيد بين التحكيم والقضاء في القانون الدولي، هو في الواقع فرق شكلي يرجع إلى أن التحكيم طريق قضائي يعتمد في وجوده وفي تشكيل الهيئة التحكيمية التي تفصل في النزاع على إرادة الأطراف المتنازعة، فهم الذين يختارون المحكمون الذين يفصلون في النزاع، وذلك بمقتضى اتفاق خاص لتسوية نزاع معين دون سواه
. بينما طريق القضاء الدولي، فهو وإن اعتمد على إرادة الدول الأطراف في النزاع من حيث ولاية القاضي إلا أن تشكيل المحكمة والإجراءات التي تقتضيها، يتولى القانون الدولي العام، تحديدها قبل نشوء النزاع وقبل اتفاق كلمة أطرافها على عرضها على المحكمة الدولية
التطور التاريخي للتحكيم
يعد التحكيم أقدم الطرق القضائية لتسوية المنازعات سواء في القانون الداخلي أو القانون الدولي. ولقد مر التحكيم في القانون الدولي العام بمراحل ثلاث
التحكيم بواسطة رئيس دولة
التحكيم بواسطة لجنة مختلطة
التحكيم بواسطة محكمة.
1-التحكيم بواسطة رئيس دولة (Chef d Etat) ويطلق عليه أحياناً التحكيم الملكي أو التحكيم بقاضي واحد. ويكون ذلك عن طريق اختيار أطراف النزاع لأحد رؤساء الدول كقاضي وحيد للفصل في النزاع الذي نشأ بينهما. وكان يقوم بهذه الوظيفة في العصور الوسطى أما البابا أو الإمبراطور وذلك حسب أهمية كل منهما
. ولكن ابتداء من القرن السادس عشر وبعد اضمحلال نفوذ البابا، وزوال الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، وظهور الدول القومية التي وطدت دولة الأمراء وجعلت العلاقات مبنية على مبدأ المساواة . فأصبح الملوك والأمراء هم الذين يقومون بوظيفة القضاء في صورة محكمين
. ويعاب على الطريقة السابقة أن القاضي فيها سواء أكان البابا أو الإمبراطور أو الأمير أو الملك لم يكن قاضياً فنياً، وكذلك لم يكن دائماً محايداً، ولذلك لم يكن من صالح القاضي تطوير أحكام القانون الدولي عن طريق الأحكام التي يصدرها، لأنه كان يخشى دائماً أن يأتي اليوم الذي تكون دولته فيه طرفاً في نزاع دولي ويستشهد بالأحكام التي أصدرها ضد وجهة النظر التي يدافع عنها [12]
2-التحكيم بواسطة لجنة مختلطة: Commission Mixte) وقد نشأت هذه الطريقة ابتداءً من القرن الثامن عشر في نطاق العلاقات الأنكو - أمريكية وفي العلاقات بين الدول الأمريكية. [13]
وأخذت هذه الطريقة شكلين مختلفين :
اللجنة المختلطة الدبلوماسية: (Commission Mixte Diplomatique)
تتألف هذه اللجنة من عضوين يمثل كل منهما الطرف الذي عينه، ولذلك كان للجنة صفة دبلوماسية محضة، يتوصل الطرفان عن طريقها إلى تسوية ودية للنزاع .
وقد طبقت هذه الطريقة لتسوية منازعات الحدود بين إنكلترا والولايات المتحدة. مثال اللجنة المختلطة الانكلو - أمريكية التي قامت سنة ١٧٩٤ بتحديد نهر الصليب المقدس
ب لجنة التحكيم المختلطة: (Commission Mixte Arbitrale)
تتألف هذه اللجنة من ثلاثة أو خمس أعضاء، يمثل عضو أو عضوان كل طرف في النزاع ثم يضاف إليهم عضو أجنبي ثالث أو خامس يكون له القول الفصل في حسم النزاع عند اختلاف الأعضاء الوطنيين.
ويعود الفضل في نشأة هذا النوع من التحكيم إلى معاهدة جي (Jay) التي أبرمت بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في ۱۹ تشرين الثاني سنة ١٧٩٤ لتسوية الخلافات التعلقة بينهما ثلاث لجان تحكيم مختلطة بين سنتي ۱۷۹۸ - ١٨٠٤ قامت بحسم أغلب المنازعات المتعلقة بين تلك الدولتين والناشئة عن حرب الاستقلال الأمريكية
3-التحكيم بواسطة محكمة: (Tribunal)
يتولى هذا النوع من التحكيم أشخاص مستقلون غير متحيزين، يتمتعون بثقافة قانونية ودراية بالعلاقات الدولية تمكنهم من الفصل في النزاع حسب القانون، ويتبعون في الفصل في النزاع الإجراءات التي يحددها القانون الدولي ويصدرون أحكاماً مسببة .
ولقد اتبعت هذه الطريقة في حل النزاع المعروف باسم نزاع الألباما الذي قام بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وكان ذلك أول نزاع خطير بين دولتين كبيرتين يتم حسمه وقد تألفت هذه المحكمة بمقتضى معاهدة واشنطن المبرمة في 8 أيار ۱۸۷۱ من خمسة طريق محكمة تحكيم. أعضاء، عينت كل من الدولتين المتنازعتين عضواً واحداً وعين كل من ملك إيطاليا وإمبراطور البرازيل ورئيس الاتحاد السويسري عضواً واحداً.
وتقرر أن تكون مدينة جنيف مقراً للمحكمة تحقيقاً للمساواة بين الطرفين .
وحددت المعاهدة المبادئ القانونية التي يجب على المحكمة أن تتقيد بها في حكمها فيما يخص واجبات المحايدين في الحرب البحرية. وقد أصدرت المحكمة قرارها بتاريخ ١٤ أيلول ۱۸۷۲ وألزمت بريطانيا بدفع مبلغ قدره ١٥,٢۰۰,۰۰۰ دولاراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وذلك تعويضاً عن الأضرار المباشرة الناشئة عن إخلال بريطانيا بواجبات المحايدين لأنها سمحت ببناء السفن وتسليحها في الموانئ البريطانية لحساب الولايات الجنوبية، ومنها الألباما التي ألحقت بالبحرية الأمريكية خسائر فادحة في أثناء حرب الانفصال
ولقد أدى كثرة الرجوع إلى التحكيم إلى نشوء قواعد قانونية دولية مصدرها العرف الدولي تتعلق بالتحكيم، والتي يطلق عليها بعض الشراح اسم القانون العرفي للتحكيم
. وقد اهتم مؤتمر لاهاي بالتحكيم فدون إجراءات التحكيم وإنشاء محكمة باسم محكمة التحكيم الدائمة.
وفي عام ۱۹۲۸ وقعت الدول الأعضاء في عصبة الأمم مبادئ ميثاق التحكيم العام.
فأضافت بذلك إلى مجهودات مؤتمر لاهاي مجهودات أخرى يمكن تلخيصها بالأمور الآتية:
١ - ما يجوز عرضه على التحكيم
يمكن للدول أن تعرض على التحكيم أي نزاع يقوم بينهما ، خلاف حول تفسير معاهدة، أو تطبيق قاعدة دولية، أو نزاع حول تعيين الحدود بين دولتين أو أكثر.... ويكون عرض النزاع على التحكيم بناءً على اتفاق الدول المتنازعة. وقد يتم ذلك قبل النزاع وبعده أو في أثنائه [14]
٢- هيئة التحكيم
للدول المتنازعة مطلق الحرية في اختيار الهيئة التحكيمية، وهذه الهيئة قد تتكون من حكم واحد أو اثنين أو أكثر . ومن الممكن الاحتكام إلى رئيس دولة أجنبية أو إلى هيئة قانونية في بلد أجنبي. وفي الغالب تختار الدول المتنازعة لجنة خاصة أو أن تلجأ إلى محكمة التحكيم الدائمة.
وقد جرت العادة في لجان التحكيم الخاصة على أن تتكون من خمسة محكمين تعين كل دولة اثنين منهم وينتخب الأربعة خامساً يكون رئيساً للجنة
. محكمة التحكيم الدائمة:
تقرر إنشاء هذه المحكمة في مؤتمر لاهاي الأول ليسهل على الدول الالتجاء إلى التحكيم في منازعاتها التي لم تتوصل إلى تسويتها بالطرق الدبلوماسية. وتتضمن اتفاقية لاهاي الأول النصوص الخاصة بتنظيم هذه المحكمة وكيفية أدائها لمهمتها وبالرجوع إلى نصوص هذه الاتفاقية يتبين لنا أن محكمة التحكيم الدائمة لا تستحق في واقع الأمر هذه التسمية وذلك لأنها ليست محكمة ولا دائمة، وإنما هي مجرد قائمة بأسماء أشخاص معينين سلفاً للقيام بأعمال المحكمين وتختار من بينهم الدولتان المتنازعتان هيئة التحكيم إذا رغبتا في الالتجاء إلى المحكمة . ولكل دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية أن تعين ما لا يزيد عن أربعة أشخاص من المشهود لهم بالاختصاص في القانون الدولي والمعروفين بالخلق الرفيع وذلك لمدة ست سنوات قابلة للتجديد.
ولا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من رعايا الدولة التي عينتهم ويتراوح عدد أعضاء المحكمة، أو بالأحرى عدد الأشخاص الذين تضمهم القائمة السالفة الذكر،
بين ١٥٠ و ۲۰۰ عضو.
وتتألف هيئة التحكيم من خمسة أعضاء، تختار كل من الدولتين طرفي النزاع اثنين منهما. ويختار هؤلاء الأربعة عضواً خامساً تكون له الرئاسة، وعند اختلاف الأعضاء على اختيار العضو الخامس يجري هذا الاختيار بمعرفة دولة ثالثة تعينها الدولتان المتنازعتان فإذا اختلفا على تعيين هذه الدولة الثالثة اختارت كل منهما دولة أخرى ثم يعين الحكم الخامس بمعرفة هاتين الدولتين.
هذا وقد أدخلت اتفاقية لاهاي لسنة ۱۹۰۷ تعديلاً على كيفية تأليف محكمة التحكيم الدائمة مؤداه أن يعين كل طرف عضوين يجوز أن يكون أحدهما من مواطني ذلك الطرف، أو أن يختار عضوين من بين الأشخاص المعينين من قبل في قائمة أعضاء محكمة التحكيم الدائمة، ثم يختار هؤلاء الأربعة رئيس المحكمة، فإذا انقسمت أصواتهم بالنسبة لانتخاب الرئيس يكون اختياره بمعرفة دولة ثالثة تعينها الدولتان المتنازعتان وفي حالة الاختلاف على تعيين تلك الدولة الثالثة تختار كل دولة متنازعة دولة أخرى، وتقوم هاتان الدولتان بتعيين الرئيس، فإذا تعذر عليهما الوصول إلى اتفاق بهذا الشأن خلال شهرين قدم كل منهما مرشحين من بين قائمة أعضاء محكمة التحكيم الدائمة على أن لا يكونوا من الأعضاء الذين اختارهم طرفاً النزاع وأن لا يكونوا من مواطني أي من الطرفين، ثم يجري اختيار الرئيس بالقرعة من بين الأعضاء المرشحين على هذا الوجه . هذا وقد قضت هذه المحكمة في ۲۲ قضية منذ تأسيسها سنة ١٨٩٩ حتى سنة ١٩٤٠ [ 15]
إجراءات وقرارات محكمة التحكيم
1 - إجراءات محكمة التحكيم:
تتقيد هيئة التحكيم بالمسائل التي يطلب إليها الفصل فيها، وإذا حدد الطرفان القواعد التي يفصل بمقتضاها في النزاع تقيدت الهيئة بها. وإن لم يحدد شيئاً طبقت هيئة التحكيم القواعد الثابتة والمتعارف عليها في القانون الدولي العام. وهيئة التحكيم لا يحق لها أن تفصل في النزاع وفقاً للمبادئ القانونية العامة أو المبادئ العدل والإنصاف
إلا إذا أجاز لها الطرفان ذلك
. والتحكيم يتضمن إجراءات كتابية وأخرى شفهية.
وتشمل الإجراءات الكتابية
تقديم المذكرات والمستندات إلى هيئة التحكيم . وكل ورقة أو وثيقة أو مستند يقدم إلى هيئة التحكيم ترسل منه نسخة إلى الخصم.
وتأتي بعد ذلك الإجراءات الشفهية
أي مرافعة ممثلي الخصوم أمام الهيئة. ويدير المرافعات رئيس الهيئة. ولكل عضو في الهيئة حق توجيه أي سؤال يريد إلى ممثلي الخصوم .
ولا تكون الجلسة علنية إلا بقرار تصدره الهيئة بموافقة الخصوم .
ويسجل مايدور في الجلسات في محاضر خاصة وبعد المرافعة تجتمع الهيئة للمداولة في جلسة سرية ثم تصدر قرار التحكيم [16]
. قرار محكمة التحكيم
يصدر القرار بالأغلبية، ويحتوي على الأسباب، ويذكر فيه أسماء المحكمين ويوقع عليه رئيس الهيئة وأمين السر القائم بمهمة كتاب الجلسة، ويتلى القرار في جلسة علنية بعد النداء على الخصوم 17] [
وقرار التحكيم ملزم للطرفين أي أنه يملك قوة الأحكام القضائية وهو نهائي لا يقبل الطعن بطريق الاستئناف
ولا يجوز طلب إعادة النظر في القرار إلا في حالة واحدة فقط هي حدوث ظروف كان من شأنها لو كانت معلومة من المحكمين قبل صدور الحكم، أن تجعل الحكم يصدر بشكل آخر ولكنه يشترط أن ينص على ذلك في اتفاق الإحالة على التحكيم . [18]
وفي الختام
ارى ان التحكيم يعد الطريق الاستثنائي والبديل الامثل لحل المنازعات الدولية بصفة عامة وذلك لان المحاكم لم تعد قادرة على التصدي لمختلف هذه المنازعات بشكل منفرد .
بالاضافة الى ذلك ظهور الحاجة الماسة الى التخصصية الى من ينظر في هذه المنازعات وهذا بلاشك ساعد لتزايد الاهتمام بالطرق البديلة لحل المنازعات في مختلف الانظمه القانونية والقضائيه.
فمن النادر ان نجد عقد او اتفاقا دوليا يخلو من شرط التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد او الاتفاق المبرم ويكم السبب في ذلك لما يتمتع به التحكيم من جوانب ايجابية تطغو على الجوانب السلبية فيه
الجوانب الايجايبة للتحكيم
تعتبر مبادئ نظام التحكيم من الأسس الأساسية التي يقوم عليها هذا النظام القانوني المهم. يعمل نظام التحكيم كأداة فعّالة لحل النزاعات بشكل خارجي عن المحاكم التقليدية، حيث يتمتع بميزات تجعله خيارًا شائعًا للأطراف في النزاعات الدولية وغيرها ‘منها
1-حيادية واستقلالية المحكمين:
يعتبر هذا المبدأ أحد أهم مبادئ نظام التحكيم. يتوجب على المحكمين في النزاع أن يكونوا محايدين ومستقلين، مما يعني أنهم لا ينحازون لأي من الأطراف المتنازعة ويتخذون قراراتهم بناءً على القانون والحقائق فقط.
2- الخصوصية والسرية
: يتمتع نظام التحكيم بميزة الخصوصية والسرية، حيث يتم إجراء الجلسات واتخاذ القرارات بسرية تامة، مما يحافظ على سرية تفاصيل النزاع ويحمي خصوصية الأطراف المتنازعة
3-الاستجابة السريعة
: يتميز نظام التحكيم بقدرته على تقديم قرارات سريعة ونهائية في حل النزاعات، مما يسهم في توفير الوقت والجهد للأطراف المتنازعة، ويساهم في تخفيف الاكتظاظ في المحاكم التقليدية
4-الاحترافية والتخصص:
يضمن نظام التحكيم اختيار محكمين متخصصين في مجال النزاع المحدد، مما يسهم في إجراءات تحكيم متخصصة وفعّالة
5-قابلية التنفيذ:
تتميز قرارات التحكيم بقابلية التنفيذ، حيث يتم اعتبارها كأوامر قضائية نهائية يجب تنفيذها بمثابة أي حكم قضائي آخر. باختصار، تتمثل مبادئ نظام التحكيم في توفير بيئة عادلة وفعّالة لحل النزاعات، مع الحفاظ على الحيادية والسرية، وتوفير الاستجابة السريعة والقابلية للتنفيذ.
ماهو المطلوب من المحكم
في عالم التحكيم الدولي، حيث تتقاطع الثقافات والقوانين، يحتاج المحكمون إلى مجموعة متنوعة من المهارات ليكونوا فعالين ومحترفين. إليكم أبرز المهارات الضرورية لكل محكم دولي:
1-الفهم العميق للقانون والممارسات القضائية:
يجب على المحكمين امتلاك فهم شامل للقوانين المحلية والدولية وكيفية تفسيرها وتطبيقها في سياقات متعددة.
2-النزاهة والحياد:
المحكم الدولي يجب أن يظل محايدًا وغير متحيز، مع تقديم ضمانات للعدالة والشفافية في جميع مراحل التحكيم.
3-مهارات التواصل الفعال: التواصل الواضح والفعال ضروري، سواء كان ذلك خلال جلسات الاستماع أو في التعامل مع الأطراف المعنية، وكذلك في كتابة القرارات والتوصيات.
4-القدرة على حل النزاعات: يجب على المحكمين تطوير استراتيجيات فعالة لحل النزاعات بطريقة تحقق العدل وترضي جميع الأطراف
5-. الكفاءة الثقافية: في بيئة دولية، من الضروري فهم الاختلافات الثقافية واحترامها، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على التحكيم
6-. المرونة والقدرة على التكيف: المحكمون يجب أن يكونوا قادرين على التكيف مع التغيرات السريعة في القضايا والاستجابة للتحديات التي تظهر أثناء التحكيم
7-الخبرة الفنية والصناعية: التخصص في مجالات معينة يمكن أن يكون مفيدًا جدًا، خصوصًا في التحكيمات التي تتطلب فهمًا تقنيًا أو معرفة صناعية محددة. إتقان هذه المهارات يمكن أن يساعد المحكمين الدوليين على التنقل بنجاح في مياه التحكيم المعقدة ويضمن تحقيق نتائج عادلة وفعالة.
الجوانب السلبية في التحكيم
في عالم الأعمال والقانون، تُعد اتفاقية التحكيم من الأدوات الأساسية التي تضمن حل النزاعات بطريقة سريعة وفعالة. لكن، كأي وثيقة قانونية، لا تخلو هذه الاتفاقية من الثغرات التي قد تُستغل لعرقلة العدالة أو تأخيرها. في هذا المقال، سنستعرض أهم الثغرات التي يجب الانتباه إليها عند صياغة اتفاقية التحكيم، لضمان حماية الحقوق وتحقيق العدالة.
غموض البنود والتحفظات
قد يتسبب الغموض في بعض البنود أو التحفظات في اتفاقية التحكيم في حدوث خلافات حول تفسيرها وتنفيذها. لذا، يجب التأكد من وضوح وصراحة جميع البنود، وتفادي العبارات المبهمة أو التي تحتمل أكثر من تفسير.
عدم تحديد القانون الواجب التطبيق
تُعد مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق من أهم النقاط في صياغة اتفاقية التحكيم. عدم تحديد القانون بشكل دقيق قد يؤدي إلى نزاعات قانونية حول القانون الذي يُطبق في حالة النزاع. لذا، من الضروري تحديد القانون الوطني أو الدولي الذي سيُعتمد عليه في حل النزاعات.
اختيار محكمين غير مؤهلين
قد تكون هناك ثغرة كبيرة إذا لم يتم اختيار المحكمين بعناية. يجب أن يكون المحكمون ذوو خبرة ومؤهلات مناسبة، ويُفضل أن يكون لديهم خلفية في المجال المتعلق بالنزاع لضمان اتخاذ قرارات عادلة ومنصفة.
غياب الشفافية في الإجراءات
يجب أن تتضمن اتفاقية التحكيم إجراءات واضحة وشفافة لضمان حقوق الأطراف المعنية. غياب الشفافية قد يؤدي إلى شعور بعدم العدالة والتشكيك في نزاهة العملية.
و بالتالي تلعب اتفاقية التحكيم دورًا حيويًا في حل النزاعات بطريقة فعالة وسريعة، ولكن لضمان تحقيق العدالة، يجب الانتباه إلى هذه الثغرات وتفاديها عند صياغة الاتفاقية. الوضوح، الشفافية، واختيار المحكمين المؤهلين هي أسس يجب مراعاتها لضمان اتفاقية تحكيم عادلة وفعالة.
المراجع
1.عهد عصبة الأمم في المادة ۱۳ فقرة ٢ منه تعداد للمنازعات القانونية التي تصلح لتسويتها عن طريق التحكيم أو القضاء. كما ورد تعداد مماثل في المادة ٣٦ فقرة ٢ من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية
2.انظر الفقرة الثالثة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
3.انظر الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة
4.انظر المواد ١٤ - ٢٤ - ٣٨ من ميثاق الأمم المتحدة
5.أساس البلاغة، تاج العروس، الزاهر: 972،القاموس المحيط، لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط
6.محمد ابن عرنوس، تاريخ القضاء في الاسلام
7.عمر عبد العزيز موسى الدبور ، التحكيم التجاري الدولي في عقود الطاقة ومدى تأثره بسيادة الدولة
8."Mode amiable ou pacifique de réglement d'un différend par une (ou plusieurs) personne(s) privée(s) (en nombre impaire) appelée(s) arbitre(s) ". A.Héraud, A.Maurin, La justice, Sirey 1996, p.149.
9. "L'arbitrage est l'institution par laquelle les parties confient à des arbitres librement désignés par elles, la mission de trancher leurs litiges". M.de Boisséson, Le droit, français de l'arbitrage interne et international, préface de P.Bellet, G.L.N 1990,p.5.
10محمد الروبي، بحث بعنوان التحكيم في عقود التشييد والاستغلال والتسليم
11.أحمد أبو ألوفاء التحكيم الاختياري والإجباري، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية
12. انظر روسو ص 280 و 281 والدكتور عبد العزيز محمد سرحان ص 436 و 437
13. انظر روسو ص 281 و 282
14.انظر المواد 38 و 39 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907
15.انظر الدكتور القطيفي المرجع السابق ص 46 و49
16.انظر المواد ٦٣ - ٧٠ - ٧١ من اتفاقية لاهاي لسنة 1907
17.راجع المواد ٨٦ - ٩٠ من اتفاقية لاهاي
.18. انظر الدكتور علي صادق أبو هيف، ص ٧٤٦ - ٧٤٨