في سابقة فريدة اعلنت محكمة التمييز الاتحادية في قرارها رقم 4 لسنة 2024 باعدام قرار المحكمة الاتحادية العليا فيما يتعلق باحالة احد القضاة الى التقاعد الامر الذي ادى الى فتح باب النقاش فيما يتعلق باختصاص كل من المحكمتين وعلوية كل منهما على الاخرى بالاضافة حجية القرارات الصادرة منهما.
كما هو معروف فان المحكمة الاتحادية العليا قد تأسست وفقاً لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 وتم تنظيم عملها فقاً للمواد 92/93/ 94 من الدستور,ذكرت المادة 93 من الدستور اختصاصات المحكمة على سبيل الحصر ومنها تفسير نصوص الدستور والرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.....
ولم تذكر هذه المادة ان من صلاحية المحكمة تعديل نصوص الدستور او القوانين والانظمة النافذة على اعتبار ان مثل هكذا صلاحية منوطة بالبرلمان (فيما يتعلق بالدستور والقوانين النافذة) والسلطة التنفيذية (فيما يتعلق بالانظمة النافذة) ووفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات لا يجوز لأي سلطة التجاوز على صلاحية السلطات الاخرى لما فيه من اخلال وارباك في سير العمل بالاضافة لكونه قد يمس بحقوق الافراد, فما قامت به المحكمة الاتحادية في قرارها 102/اتحادية/2024 بتعديل نص المادة 35/رابعاً/4 من قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 هو امر غير مقبول وخارج صلاحياتها وعلى حد قول المحكمة الاتحادية في قرارها المذكور اعلاه ان نص هذه المادة مخالف للدستور ويجب ان يعدل من تاريخ 1/1/2024,ان الاتحادية وان كان لها ان تحكم بعدم دستورية هذا النص فليس من صلاحيتها الحكم بتعديله,كون مسألة تعديل النص او الغاءه ترتبط بالسلطة التشريعية فكان اولى بالمحكمة الاتحادية ان تحكم فقط بعدم الدستورية هذا النص وتترك مسألة التعديل الى السلطة المختصة بذلك حتى لا يؤدي هذا الى الاخلال بمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص في المادة 47 من الدستور.
وهنا تصدت محكمة التمييز الاتحادية لهذا الموضوع حيث ذكرت في قرارها رقم 4 لسنة 2024 بان قرار المحكمة الاتحادية العليا خارج اختصاصاتها وبالتالي فانه مشوب بعيب عدم الاختصاص وبالتالي فان قرارها قد فقد احد الاركان الاساسية وهو صدور الحكم القضائي من محكمة في حدود ولايتها القضائية*.
ان محكمة التمييز الاتحادية استندت في حكمها الى المادة 12 من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل حيث ذكرت هذه المادة ان التمييز هي اعلى سلطة قضائية في العراق وتمارس رقابتها على جميع المحاكم ما لم يرد نص بخلاف ذلك وباعتبار هذه المحكمة اعلى سلطة قضائية في العراق فان قرارتها تكون باتة وملزمة وهذا الامر يصطدم بالمادة 94 من الدستور حيث ذكرت هذه المادة ان قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة.
وفي حقيقة القول ان قرارات الاتحادية تكون باتة وملزمة فيما يتعلق بالامور المحددة في المادة 93 من الدستور اما ما يجاوز ذلك فانه يكون مشوب بعيب عدم الاختصاص وبالتالي يفقد الزاميته لعدم صدوره من الجهة المختصة. ومن الجدير بالذكر ان المحكمة الاتحادية العليا عندما سميت بهذا الاسم لم يكن دلالة على علوها في التسلسل القضائي بين المحاكم انما دلالة على مكانتها العليا في الدولة كونها تختص بالمسائل الدستورية وتستند في وجودها واختصاصاتها الى الدستور وهو اعلى قانون في البلاد, لكن القول بهذا لا يعني خضوعها للرقابة كون قراراتها باتة وملزمة للكافة وفقاً للمادة 94 من الدستور*.
ان تصدي التمييز لقرار الاتحادية باعدامه يمثل اول مساجلة قضائية في تاريخ العراق القضائي وهذا التصدي فتح باب النقاش حول المحكمة الاتحادية وصلاحياتها واختصاصاتها والرقابة عليها
ففيما يتعلق بصلاحيات المحكمة واختصاصاتها فانها محددة على سبيل الحصر في المادة 93 من الدستور ولم تذكر هذه المادة ان للمحكمة صلاحية تعديل نصوص الدستور او القانون وفيما يتعلق بالرقابة عليها فان المشرع في دستور 2005 لم يحدد جهة رقابية على عمل المحكمة على اعتبار انها اصلاً جهة رقابية تتمثل بالرقابة اللاحقة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.
وخلاصة القول:
1-ان المحكمة الاتحادية العليا لها اختصاصات محددة على سبيل الحصر لا المثال في المادة 93 من الدستور وكذلك لها صلاحيات في المادة 52 من الدستور بالاضافة الى صلاحياتها في المادة 4 من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل
2-ليس من صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا تعديل نصوص القانون لان هذا الاجراء هو من اختصاص السلطة التشريعية الممثلة بالبرلمان وفقاً للمادة 61 من الدستور
3- قرار التمييز باعدام قرار الاتحادية لا يعني بان قرارات الاخيرة قابلة للطعن او التمييز لدى محكمة التمييز
4-ان قرار الاتحادية فيما يتعلق بتعديل قانون التقاعد الموحد كان مشوب بعيب عدم الاختصاص,لانه وكما ذكرنا سابقاً تعديل القانون من صلاحية مجلس النواب
المراجع:
*المحكمة الاتحادية العليا في العراق ودورها في تحقيق العدالة الدستورية (دراسة مقارنة) –سالم محمد الكعبي
*الحكم القضائي اركانه وقواعد اصداره دراسة تأصيلية تحليلة مقارنة-محمد سعيد عبدالرحمن