الوكالة، مفهومها، شروطها ومدى إمكانية توكيل الوكيل لغيره في الأمر الذي وكل إليه

بقلم : مريم حسين رسول

كان عقد الوكالة ولايزال من أهم العقود واكثرها إبراماً ووقوعاً في الحياة، فالوكالة عقد بموجبه يعين الموكل شخصا آخر للقيام بتصرفات معينة بدلا عنه ويدعى ذلك الشخص بالوكيل ومعنى الوكالة لغويا هو التفويض فيقال وكلت أمري إلى الله أي فوضت أمري له سبحانه أو يقال وكلتك بكذا أي فوضتك بذلك الأمر ولقد ذُكرت الوكالة في بعض الآيات القرآنية الكريمة بهذا المعنى كما في قوله تعالى(إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط المستقيم)."سورة هود آية 56"وقوله تعالى (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً)."سورة الأحزاب آية3".

أما بالنسبة للمفهوم التشريعي للوكالة فقد عرفت المادة 927 من القانون المدني العراقي عقد الوكالة حيث نصت(الوكالة عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم).

ونلاحظ من هذا التعريف أن المشرع العراقي اعتبر الوكالة عقد يقوم به الوكيل بالتصرف جائز معلوم مقام الموكل وقد اشترط المشرع العراقي في التصرف أن يكون جائزاً أي أن يكون مباحا وغير ممنوع كما واشترط أن يكون ذلك التصرف معلوماً أي غير مجهول سواء اكان هذا التصرف ماديا أو قانونيا فلم يقصر النص الوكالة على نوع معين من التصرفات فقد جاءت كلمة التصرفات مطلقة ومطلق يسري على إطلاقه على خلاف القانون المصري الذي عرف الوكالة في نص المادة 699 من قانونه المدني حيث نصت (الوكالة عقد يلتزم به الوكيل بالقيام بعمل قانوني للموكل).1 فمن هذا التعريف نجد أن المشرع المصري قصر الوكالة على الأعمال القانونية دون غيرها من التصرفات المادية.

ولكي نتعرف أكثر على عقد الوكالة لابد لنا من بعد أن تعرفنا على مفهومه لغةً وتشريعاً أن نتعرف على أبرز سمات هذا العقد وتميزه عن ما قد يشتبه به من العقود وبيان الشروط التي يجب ان تتوفر في الموكل والوكيل وفي نهاية الكلام سنتحدث عن مدى إمكانية الوكيل الموكل بالقيام بتصرف معين إن يوكل غيره للقيام بذلك التصرف.

وهذا ما سيتم بيانه تباعاً بالمطالب الآتية:-


المطلب الأول 

أبرز سمات عقد الوكالة 


١- إن عقد الوكالة يعد من العقود الرضائية

حيث ينعقد بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول دون اشتراط اتباع شكلية معينة في الأصل إلا أن سريان بعض أنواع الوكالات يستوجب شكلية معينة كما هو الحال في الوكالة العامة بالخصومة حيث يستلزم سريانها تصديق تلك الوكالة من قبل كاتب العدل.

٢- من العقود الملزمة للجانبين

حيث يعد كل من الوكيل والموكل دائناً ومديناً للاخر ففي عقد الوكالة المأجورة مثلا يكون الموكل دائناً بالأجر ومديناً بتنفيذ التصرف الذي عهد به للوكيل بينما يكون الوكيل دائنا بتنفيذ التصرف المعهود إليه ومدينا بالاجر.

٣- من العقود الغير لازمة

والعقد الغير لازم هو العقد الذي يمكن إنهاءه بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين وقد اشارت المادة 947 من القانون المدني العراقي لهذه السمة عندما بينت أن عقد الوكالة يمكن إنهاءه بعزل الموكل بإرادته المنفردة للوكيل أو باعتزال الوكيل بإرادته للوكالة كما واشترطت هذه المادة شروطاً معينة لاستخدام هذا الحق أي الحق بالعزل سواء من الوكيل أو الموكل لضمان عدم التعسف في استعمل الحق. 

٤- من العقود الواردة على العمل

وهذه السمة واضحة جدا في تعريف المشرع للوكالة في المادة 927 سالفة الذكر على أنها عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم أي أن الوكالة قائمة على أساس قيام الوكيل بتصرف جائز معلوم لصالح الموكل.

٥- الوكالة عقد من عقود الأمانة

أي أن كل شيء يوضع تحت تصرف الوكيل بموجب عقد الوكالة يجب على الوكيل المحافظة عليه كون يده على ذلك الشيء يد أمانة فمثلا لو سلم الموكل سيارته للوكيل لغرض أن يقوم الأخير ببيعها فلا يجوز للوكيل هنا أن يتصرف بها في أمر آخر غير البيع كأن يهبها لشخص ما وإلا اثيرت بشأنه المسؤولية العقدية إضافة إلى المسؤولية الجنائية المتمثلة بجريمة خيانة الأمانة كون عقد الوكالة يعد أحد عقود الأمانة.

٦- تكون شخصية الوكيل في عقد الوكالة محل اعتبار

إن توكيل شخص لشخص آخر لكي يقوم بالتصرف بدلا عنه يستوجب وجود علاقة بين ذلك الشخص ومن وكله فمن غير المعقول أن يوكل أحد شخص لا يعرفه للقيام بعمل ستنصرف أثاره في نهاية المطاف إليه لذلك تعد شخصية الوكيل في الغالب محل اعتبار في عقد الوكالة.


المطلب الثاني

تمييز عقد الوكالة عن بعض العقود التي قد تشتبه به ٢

 

تمييز عقد الوكالة عن عقد البيع

عقد الوكالة عقد بموجبه يقوم الوكيل بتصرف معين بدلا عن الموكل ولحساب الأخير بينما عقد البيع عقد مختلف تماما اذ انه من العقود الناقلة للملكية حيث ينقل البائع ملكية المبيع إلى المشتري وبهذا المعنى فلا تشابه بين عقد الوكالة وعقد البيع إلا أنه قد نواجه صعوبة في التفرقة بين هذين العقدين في حالات معينة كما في عقد التوزيع والذي يقوم على أساس إعطاء تاجر بضاعة إلى تاجر آخر لكي يقوم الأخير ببيعها وتسليم ثمنها و ما يتبقى من البضاعة التي لم تباع إلى التاجر الأول ففي هذه الحالة هل يعد التاجر الثاني وكيلاً عن التاجر الأول أو مشتري للبضاعة؟

يذهب الرأي الراجح هنا إلى الاعتماد على نية المتعاقدين فإن كانت نيتهم تنصب على نقل الملكية عد العقد حينئذ عقد بيع أما إذا كانت نيتهم تنصب على غير ذلك أي لعدم نقل الملكية للتاجر الثاني فهنا لا يعد العقد بيع وإنما عقد وكالة يكون فيه التاجر الأول موكلا والثاني وكيلا وتسري عليهم أحكام عقد الوكالة.

التمييز بين عقد الوكالة وعقد الإيجار

الوكالة بمعناها المذكور في المادة 927 سالفة الذكر تختلف تماما عن عقد الإيجار الذي يعد من العقود الناقلة للمنفعة والتي تقوم على أساس وضع شيء معين (المأجور) تحت تصرف المستأجر لمدة معينة. ولكن قد تلتبس الأمور في حال أجر مالك عقار عقاره لمستأجر واتفق معه على أن يقوم بتأجير العقار من الباطن على أن يقتسم الأجرة التي سيحصل عليها المستأجر الأصلي عن طريق الإيجار من الباطن معه فهل يعد المؤجر قد أجر عقاره للمستأجر ام وَكل الأخير لتأجيره وإعطائه جزء من الأجر؟ الرأي الراجح هنا يذهب إلى الاعتماد على نية المتعاقدين فإن كانت ارادتهما متجهَ للإيجار عُد العقد إيجاراً وإن كانت نيتهم تذهب لعتباره وكالة عد العقد وكالة ويمكن استخلاص نية المتعاقدين من الظروف المحيطة بالعقد في حالة الاختلاف.

التمييز بين عقد الوكالة وعقد العمل

 صحيح أن هذان العقدان كلاهما من العقود الواردة على العمل إلا أن طبيعة هذا العمل تختلف في عقد العمل عنه في عقد الوكالة حيث يكون  ماديا دائما في عقد العمل بينما يكون قانونيا أو ماديا في عقد الوكالة كما يختلف هذان العقدان من حيث الأجر إذا أن عقد العمل لا يكون إلا بأجر بينما عقد الوكالة ممكن أن يكون بأجر أو بدون أجر وإضافة إلى ذلك موضوع التبعية حيث يكون العامل تابعا لصاحب العمل بينما يكون الوكيل مستقلا وقد يلتبس الأمر في حال طلب صاحب العمل من العامل بأن يبيع شيء يخص صاحب العمل فهل يعد  عمل أم وكالة؟ الراجح في هذه المسألة الاعتبار هذا العقد عقد وكالة لانه قائم على أساس تصرف قانوني وليس مادي كما أن الشيء المباع خاص بصاحب العمل وليس بالعمل الذي يمارسه العامل.


المطلب الثالث 

الشروط التي يجب أن تتوفر في كل من الموكل والوكيل


 لابد من توافر بعض الشروط في الوكيل والموكل تمكنهم من ابرام عقد الوكالة ومن أهم هذه الشروط كمال الأهلية أي أن يكون الموكل عاقلا لا يعتريه اي عارض من عوارض الأهلية بالغا راشدا أتم الثامنة عشر عام وأن أي خلل في هذا الشرط يؤدي إلى بطلان عقد الوكالة. والكلام نفسه ينطبق على الوكيل أيضا أذ يجب أن يكون عاقلا بالغا وأن تكون إرادة كل من الوكيل والموكل خالية من أي عيب من عيوب الإرادة. ومن الشروط الأخرى الواجب توافرها في الموكل أن يكون غير ممنوع من القيام بالعمل الذي يريد توكيل غيره فيه فمثلا لو وكل شخص صديقه لبيع مال معين كان لابد من أن يكون الموكل غير ممنوع قانونا من البيع  لسبباً ما كأن يكون مدين محجور لا يمتلك الحق في التصرف بأمواله أو ما شابه ذلك والسبب في ذلك يعود لكون التصرف ستنصرف آثاره في نهاية الأمر للموكل وهذا الشرط نفسه يجب توافره أيضا بالوكيل أي أن يكون قادرا على القيام بالتصرف الذي وكل إليه وغير ممنوع قانونا من القيام بذلك التصرف.

المطلب الرابع

مدى إمكانية الوكيل في توكيل غيره في الأمر الذي وكل إليه١


في هذا المطلب سنتحدث عن مدى إمكانية الوكيل في انابة غيره عنه أو ما يعرف بالوكالة من الباطن فهل تجوز الوكالة من الباطن في ظل أحكام قانون المدني العراقي؟

لقد نصت المادة 939 من القانون المدني العراقي على الآتي:-

(ليس للوكيل أن يوكل غيره إلا أن يكون قد أذنه الموكل في ذلك أو فوض الأمر لرايه ويعتبر الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكل فلا ينعزل بعزل الوكيل الأول ولا بموته).

وعليه فالنص واضح يحظر على الوكيل الوكالة من الباطن اذ لا يجوز له ذلك إلا إذا أذن له الموكل بذلك أو فوض له الامر. ويقصد بالأذن أن يمنح الموكل في سند الوكالة للوكيل الحق في الوكالة من الباطن بشكل واضح وصريح اما التفويض فيعني أن يترك الموكل الأمر للوكيل فإن شاء أناب غيره وأن شاء امتنع عن ذلك.

والحال في القانون المدني المصري يختلف بعض الشيء عن القانون المدني العراقي إذ نصت المادة 807 فقرة 1 من القانون المدني المصري(إذا أناب الوكيل عنه غيره في تنفيذ الوكالة دون أن يكون مرخصا له ذلك كان مسؤولا عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو ويكون الوكيل ونائبه في هذه الحالة متضامنين في المسؤولية). 

وبهذا فالقانون المصري لا يحظر على الوكيل الوكالة من الباطن إنما يشدد عليه المسؤولية في حال عدم ترخيص الموكل له بذلك حيث تصبح الأعمال الصادرة عن نائب الوكيل وكأنها صادرة منه شخصيا وتكون المسؤولية الوكيل ونائبه مسؤولية تضامنية. ثم عاد وبين في الفقرة الثانية من نفس المادة أنه في حال ترخيص الموكل للوكالة من الباطن فلا يكون الوكيل مسؤولا عن أعمال نائبة إلا ما تعلقت بسوء اختياره للنائب أو إعطاء الوكيل لنائبه تعليمات خاطئة .

 وبعد الانتهاء من الحديث عن المطالب الأربعة أصبح لدينا معرفة بسيطة بجانب معين من عقد الوكالة إذ إن عقد الوكالة له عدة جوانب وأنواع ومنها الوكالة التجارية والوكالة المدنية والوكالة بالخصومة وغيرها من الوكالات المختلفة التي تختص كل منها بأحكام معينة تميزها عن غيرها. 



المصادر 

1) الوكالة من الباطن في القانونين العراقي و المصري مع الاشارة للفقه الاسلامي ل أ.م.د جليل الساعدي ص79، 86-95

2) التراضي في عقد الوكالة بحث للطالبة شهد سالم ابراهيم ص 10-13



أحدث أقدم