الطعن الذي لم يُنص عليه في قانون المرافعات العراقي

بقلم : مريم حسين رسول


من المعلوم أن للطعن ستة طرق منصوص عليها في المادة 168 من قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل  وهي كل من الاعتراض على الحكم الغيابي، الاستئناف، إعادة المحاكمة، التمييز، تصحيح القرار التمييزي، واعتراض الغير. وأن جميع هذه الطعون سالفة الذكر عدى إعادة المحاكمة يجب إثارتها خلال مدة معينة حددها قانون المرافعات حيث تعد هذه المدة من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وترد الطعون في حال مضيها بدلالة نص المادة 171 من قانون المرافعات العراقي. إذ ان مضيها يكسب الحكم القضائي محل الطعن درجة البتات ويصبح الحكم متمتعاً بحجية الشيء المقضي فيه وبالتالي لا يجوز الطعن فيه. والى جانب تلك الطعون يوجد طعن اخر لم يذكر في قانون المرافعات وانما  نُص  عليه في قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 والذي يمكن إثارته خلال خمس سنوات من تاريخ اكتساب الحكم لدرجة القطعية حيث أن هذا الطعن يعد من طرق الطعن الاستثنائية التي يمكن إثارتها حتى بعد اكتساب الحكم القضائي لدرجة البتات.

ولكي نتعرف أكثر على طرق الطعن الستة المذكورة في قانون المرافعات سنخصص المطلب الاول للحديث عنها بشكل موجز ثم نتحدث في المطلب الثاني عن الطعن المنصوص عليه في قانون الادعاء العام وهو ما يسمى بالطعن لمصلحة القانون أو الطعن لصالح القانون وبيان الجهة المختصة بهذا الطعن والأحكام التي يمكن إثارة هذا الطعن فيها.



المطلب الأول 

طرق الطعن المذكورة في قانون المرافعات(1) 


1-الاعتراض على الحكم الغيابي

هذا الطعن يثار في حال إصدار حكم غيابي في الدعوى أي إصدار حكم مع عدم حضور أحد أطراف الدعوى في جميع مراحل الدعوى وعليه فيحق لذلك الشخص الذي لم يحضر أن يعترض على ذلك الحكم خلال 10 أيام من اليوم التالي لتبليغه بالحكم أو اعتباره مبلغا أمام المحكمة التي أصدرت الحكم. ويعد هذا الطريق من طرق الطعن العادية* التي لم يحدد لها المشرع أسباب معينة على سبيل الحصر لاثارتها لذا فمن الممكن للطاعن أن يستند في طعنه على اي سبب. وهذا الطعن يقام أمام المحاكم التي تصدر أحكام غيابية كمحاكم البداءة والأحوال الشخصية ومحاكم العمل والمحاكم الإدارية وأما محاكم الاستئناف فهي لا تصدر أحكام غيابية فبالتالي لا وجود لمثل هذا الطعن في أحكامها. ويترتب على قبول مثل هذا الطعن إعادة النظر في الدعوى وإصدار حكم جديد فيها.


2-الطعن عن طريق الاستئناف

 وهو من طرق الطعن العادية أيضا والذي يختص بالأحكام الصادرة من محاكم البداءة بدرجة أولية حيث يمكن الطعن بهذه الأحكام استئنافاً أمام محاكم الاستئناف بصفتها الاصلية أو امام محكمة البداءة التي اصدرت الحكم ولقد أشارت المادة 32 من قانون المرافعات العراقي للاحكام التي تصدرها محاكم البداءة بدرجة أولية والتي تكون قابلة للاستئناف حيث بينتها بثلاث فقرات. اما الأحكام التي تصدرها محاكم البداءة بدرجة نهائية فلا يجوز الطعن فيها استئنافاً بل يمكن الطعن فيها تمييزاً أمام محكمة التمييز. وتكون مدة الطعن الاستئنافي خمسة عشر يوما تبدأ من اليوم التالي للتبليغ بالحكم أو اعتباره مبلغاً. ومن الجدير ذكره انه في حال وجود تزوير أو شهادة زور أو مستندات قام الخصم باخفائها تحسب تلك المدة أي الخمسة عشر يوما من اليوم التالي للإقرار الكتابي بالتزوير أو لثبوت شهادة الزور امام المحكمة أو لحصول على المستندات المخفية.


3-الطعن عن طريق إعادة المحاكمة

 ويعد هذا الطعن من أحد أنواع الطعون الغير عادية* الذي حدد المشرع له أسباب معينة لأثارته وتلك الأسباب قد ذُكرت في نص المادة 196 من قانون المرافعات العراقي حيث لا يجوز للطاعن أن يقدم طعن مستند على غير هذه الأسباب. وإن هذا الطعن يمكن إثارته حتى بعد اكتساب الحكم القضائي لدرجة البتات. فأن أثبت الطاعن على سبيل المثال وجود تزوير في أوراق الدعوى ورفع الطعن أمام المحكمة المختصة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بالتزوير فإن طعنه يقبل حتى ولو اكتسب الحكم درجة البتات إذن لا يوجد وقت معين لتقديم هذا الطعن حيث يمكن تقديمه بأي وقت على ان يراعي الطاعن مدة 15 يوم التي تحسب من تاريخ علمه بسبب الطعن. وهذا الطعن يثار بشأن الأحكام الصادرة من محاكم البداءة بصفة نهائية وأحكام محاكم الاستئناف ومحاكم الأحوال الشخصية. ويترتب على هذا الطعن إعادة المحاكمة وفقا للبيانات الجديدة المقدمة من قبل الطاعن .


4-الطعن عن طريق التمييز

إن هذا الطعن يثار أمام محكمة التمييز حيث يمكن الطعن تمييزاً بجميع الأحكام القضائية الصادرة من محاكم البداءة بدرجة أولية والأحوال الشخصية والاستئناف. وهذا الطعن يعد أيضا من الطعون الغير عادية حيث نصت المادة 203 على الأسباب التي يجب على الطاعن أن يستند إليها عند تقديمه عريضة الطعن للمحكمة. كما ويمكن الطعن تمييزاً  بالأحكام النهائية لمحاكم البداءة أمام محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية. وتكون مدة هذا الطعن ثلاثين يوما بالنسبة للأحكام القضائية وسبعة أيام بالنسبة للقرارات القضائية القابلة للطعن تمييزا ,  تحسب من اليوم التالي لتبليغ بالحكم أو اعتباره مبلغاً. وبما أن محكمة التمييز هي محكمة قانون فهي فقط تدقق مدى مطابقة الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم للقانون دون التدخل في موضوع الخصومة. وللطعن التمييزي نوعان احدهما وجوبي واخر اختياري وبالنسبة للأول فهو مختص بأحكام قضائية معينة حددتها نص المادة 309 من قانون المرافعات حيث بموجب هذا الطعن تلتزم المحاكم التي تصدر احكام متعلقة بالمواضيع المذكورة في المادة سالفة الذكر أن ترسل أحكامها إلى محكمة التمييز لتدقيقها. وأما النوع الثاني فهو يقدم من قبل أطراف الدعوى إذا أعتقدوا بوجود خطأ في الحكم القضائي الصادر ضدهم.


5-الطعن من خلال تصحيح القرار التمييزي 

إن هذا الطعن متعلق بالقرارات الصادرة من محكمة التمييز أو محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية حيث يمكن للطاعن أن يطالب بتصحيح القرارات الصادرة من تلك المحاكم خلال سبعة أيام من تاريخ صدور القرار التمييزي. ويعد هذا الطعن طعن استثنائي وغير عادي حيث نصت المادة 219 الفقرة ( أ ) على الأسباب التي يمكن للطاعن أن يستند عليها لتقديم طعنه كما وبينت الفقرة (ب) من نفس المادة أنه لا يقبل من الطاعن أي سبب آخر غير المنصوص عليه في الفقرة ( أ ) عند تقديمه لعريضة الطعن أمام المحكمة. ومن المؤكد أن هذا الطعن يقدم أمام المحكمة التي أصدرت القرار سواء كانت محكمة التمييز أو محكمة الاستئناف.


6-الطعن من خلال اعتراض الغير

يثأر هذا الطعن من قبل الغير الذي لم يكن طرفا في الدعوى ولم يبلغ بحكمها إذا كان الحكم الصادر بخصوص تلك الدعوى يمسه سلبا. ويمكن إثارة هذا الطعم ضد الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف والبداءة والأحوال الشخصية. أما بخصوص الأسباب التي يجب أن تتوفر في الحكم لكي يستطيع الغير تقديم طعنه فقد ذكرت في المادة 223 من قانون المرافعات العراقي. وهذا الطعن يمكن تقديمة بشكل أصلي أو طارئ فبالنسبة للأول فيعني تقديم الطعن مستقل للمحكمة المختصة والثاني يكون بواسطة دعوى حادثة مقدمة من أحد الطرفين أثناء نظر دعوى قائمة بينهما في حكم سابق يبرزه الخصم ليثبت ادعاءه.

 والمدة التي يستطيع خلالها الغير أن يقدم مثل هذا الطعن تتمثل بالمدة التي تسبق تنفيذ الحكم الصادر بخصوص الدعوى التي يشكو منها الطاعن أما إذا تم تنفيذ الحكم فلا يحق له حينئذ طلب الطعن بالحكم.


* طرق الطعن العادية وغير العادية إنما هي تقسيم فقهي لطرق الطعن الستة حيث جعل الفقهاء بموجبه  كل من الطعن عن طريق اعتراض على الحكم الغيابي والطعن استئنافاً من طرق الطعن العادية وباقي الأنواع الأربعة من الطرق الغير عادية والفرق بينهما يكمن في أن الطرق العادية ليس لها أسباب محددة على سبيل الحصر لإثارتها حيث يمكن للطاعن أن يستند على أي سبب يراه مناسبا وهذا على خلاف الطرق الغير عادية حيث تكون أسبابها محددة على سبيل الحصر في مواد قانونية معينة. والإختلاف الثاني يتجسد في كون الطعن بالطرق العادية يؤدي إلى إعادة النظر في الدعوى من جديد حيث يتم استدعاء أطراف الدعوى وإعادة المحاكمة أما في الطعون الغير عادية فيقتصر الأمر على تدقيق الحكم الصادر في الدعوى دون طلب حضور اطراف الدعوى. و الأختلاف الاخير يتمثل بأن طرق الطعن العادية تؤدي إلى إيقاف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا إذا كان من أحكام القضاء المستعجل بعكس الطرق الغير عادية فهي لا توقف تنفيذ الأحكام المطعون فيها.

راجع نص المادة  216 الفقرة الأولى من قانون المرافعات العراقي




المطلب الثاني 

الطعن لمصلحة القانون(2) 


 سمي هذا الطعن بهذا الاسم كون الهدف منه هو منع أي خرق للقانون أو أي تطبيق خاطئ له. ولقد تمت الإشارة لهذا الطعن في المادة السابعة/ثانياً -أ- التي أوضحت مهام رئيس الادعاء العام حيث نصت على الآتي:- (اذا تبين لرئيس الادعاء العام حصول خرق للقانون في حكم او قرار صادر عن اي محكمة عدا المحاكم الجزائية او في أي قرار صادر عن لجنة قضائية أو من مدير عام دائرة رعاية القاصرين أو مدير رعاية القاصرين المختص أو المنفذ العدل من شأنه الإضرار بمصلحة الدولة أو القاصر أو أموال أي منهما أو مخالفة النظام العام يتولى عندها الطعن في الحكم أو القرار لمصلحة القانون رغم فوات المدة القانونية للطعن إذا لم يكن أحد من ذوي العلاقة قد طعن فيه أو قد تم الطعن فيه ورد طعن من الناحية الشكلية).

ومن خلال  هذه المادة يمكننا وضع تعريف مبدئي لهذا الطعن حيث يعد من طرق الطعن الاستثنائية الذي يباشره رئيس الادعاء العام فهو الوحيد القادر على اثارت مثل هذا الطعن وله أيضا أن يخول نائبه للقيام بهذه المهمة. كما وبينت المادة سابقة الذكر الأحكام التي يمكن أثارت هذا الطعن فيها وتتمثل بجميع الأحكام الصادرة من المحاكم الغير جزائية وجميع القرارات الصادرة من لجان قضائية أو من المدير العام لدائرة رعاية القاصرين أو مدير رعاية القاصرين المختص أو منفذ العدل إذا كانت تلك الأحكام والقرارات تؤثر سلبا على مصلحة الدولة أو اموالها أو على مصلحة وأموال القاصر أو كان من شأنها الإضرار بالنظام العام حيث أن نطاق هذا الطعن محصور بتلك الأحكام ولا يتعدى لسواها من الأحكام. وتكون المدة التي يمكن خلالها أثارة هذا النوع من الطعون خمس سنوات تحسب من تاريخ اكتساب الحكم درجة البتات المادة السابعة/ثانيا(ب) علما أن قانون الادعاء العام الملغي قد حدد تلك المدة بثلاث سنوات. ومن الجدير ذكره أن هذا الطعن لا يمكن تقديمه في حال طعن الخصوم بالحكم أو القرار مسبقا بأي طريقة من طرق الطعن المذكورة في قانون المرافعات وقُبل طعنهم أو رد طعنهم شكلا. والغريب في نص المادة  سابعة/ثانيا(أ) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 أنها لم تذكر الجهة التي يمكن لرئيس الادعاء العام تقديم هذا الطعن امامها على عكس قانون الادعاء العام الملغي رقم 59 لسنة 1979 حيث حددها بمحكمة التمييز وعلى رغم من ذلك فقد بينت محكمة التمييز في قرار لها أنه اذا كانت محكمة التمييز هي المحكمة المختصة في نظر الطعن ابتداءا من قبل الخصوم فهي أيضا من يقدم امامها الطعن لمصلحة القانون أما إذا كانت محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية هي المختصة بالطعن ابتداء من قبل الخصوم فهي من يقدم امامها الطعن لمصلحة القانون.

ونلخص من ما ذكر أن هذا الطعن لا يمكن إثارته بشأن الدعاوى الجزائية ولا يمكن تحريكه إلا من قبل رئيس الادعاء العام وهو طعن استثنائي حيث يمكن إثارته حتى بعد اكتساب الحكم درجة البتات. ونأمل أخيرا من المشرع العراقي تلافي النقص الموجود في نص المادة السابعة/ثانيا عن طريق النص على الجهة المختصة بالنظر بمثل هذا الطعن.


المصادر

1-طرق الطعن في الأحكام والقرارات ‏بحث للطالب سنان سعد عبدالله

2-النطاق القانوني للتدخل الادعاء العام في الدعوى المدنية في القانون العراقي ل د. عبد المنعم عبد الوهاب العامر ص124-127


أحدث أقدم