الاختصاص القضائي العالمي


من المعروف ان لكل دولة اختصاص قضائي قد يكون شخصي و قد يكون اقليمي فالاختصاص القضائي الشخصي قد يكون ايجابي وقد يكون سلبي والاختصاص القضائي الشخصي الايجابي يعني ممارسة الدولة لاختصاصها القضائي على مرتكبي الجرائم حاملي جنسية الدولة المعنية اما الاختصاص القضائي الشخصي السلبي فيعني ممارسة الدولة لاختصاصها القضائي على مرتكبي الجرائم الواقعة على حاملي جنسيتها , اما الاختصاص القضائي الاقليمي للدولة فهو ما يعني ممارسة الدولة لاختصاصها القضائي داخل حدود اقليمها بغض النظر عن جنسية مرتكب الجريمة سواء كان مواطناً حامل لجنسية الدولة المعنية او اجنبياً دون ان تمتد سلطتها القضائية الى مواطنيها خارج حدود اقليمها لحين عودة المتهم الى داخل الاقليم , اذ تحصر معظم مبادئ القانون الجنائي سلطة المحاكم الوطنية في النظر في الجرائم التي ترتكب داخل اقليم الدولة المعنية مع الحفاظ على اقامة اختصاصها على مواطنيها حتى لو ارتكبوا الجرائم خارج اقليم الدولة ولكن هناك بعض الجرائم التي تكون طبيعتها او السياق الذي ارتكبت فيه يجعل من الصعب مقاضاتهم امام محاكم الدولة التي ارتكبت فيه هذه الجرائم  .

فظهر اختصاص قضائي آخر تمارسه الدول على النطاق الدولي لا الداخلي و هو الاختصاص القضائي العالمي الذي جاء النص عليه في اتفاقيات جنيف الاربعة لسنة 1949 في المواد 49,50,129,146 ومفاده : 

التزام الدول الاطراف في الاتفاقيات بملاحقة ومعاقبة او تسليم المتهمين للدولة المعنية لمعاقبتهم بغض النظر عن جنسية المتهين وبغض النظر عن مكان ارتكابهم للجريمة

 بمعنى آخر , جميع الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف تلتزم بأتخاذ الاجراءات اللازمة لملاحقة ومعاقبة مرتكبي بعض المخالفات التي يندرج معظمها تحت فئة ’’جرائم الحرب’’ او الجرائم ضد الانسانية’’ والتي سيرد ذكرها فيما بعد .

فمبدأ الاختصاص القضائي العالمي جاء لسد الثغرة والفجوة القانونية الناجمة عن تشابك الاختصاصات القضائية وتنازعها بين الدول التي كشف عنها الواقع العملي من جراء انتشار الجرائم المخلة بأمن وسلم المجتمع الدولي , فهو اجراء استثنائي للعدالة الجنائية اذ يمنح الدول سلطة محاكمة مرتكبي جرائم خطيرة حتى وان لم يكن للدول اي صلة بالمتهمين او الافعال التي ارتكبوها فالشخص المتهم بأرتكاب مخالفة خطيرة للقانون الانساني يمكن مقاضاته امام اي محكمة في اي دولة , فهذا المبدأ يعد احد الادوات الاساسية لضمان منع وقوع انتهاكات للقانون الدولي الانساني والمعاقبة عليها من خلال فرض العقوبات الجنائية من قبل محاكم دول اجنبية عن الجرائم

وقد كان لحقيقة عدم وجود محكمة جنائية دولية دائمة مختصة بمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة اثر في زيادة الفرصة لحصول مرتكبي تلك الجرائم على حصانة من العقاب و المقاضاة فلذلك ترتب على الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف الاربعة الالتزام بالمشاركة للبحث ومقاضاة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم 

وحتى بعد صدور قانون المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في 17 تموز 1998 ودخوله حيز النفاذ في 1 تموز 2002 وبيان اختصاصها بالنظر في معظم الجرائم الخطيرة  مثل الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب والاعمال العدوانية , فأن المحكمة لم تكن قادرة على سد الثغرة في التجاوب القضائي الدولي مع المخالفات الخطيرة العديدة للقانون الدولي الانساني التي ترتكب في عالم اليوم 

الجرائم التي ينطبق عليها الاختصاص القضائي العالمي

-جريمة الحرب 

-بعض الجرائم ضد الانسانية

-الابادة الجماعية

-التعذيب

-الاستعباد

-القرصنة

اختصاص الدول يشمل الالتزامات الآتية :

-التحقيق

-محاكمة المتهمين

-او تسليم المتهمين الى دولة اخرى لمحاكمتهم             


 اهمية الاختصاص القضائي العالمي

ان ممارسة الاختصاص القضائي العالمي يعتبر الاسلوب الاكثر فاعلية على المستوى الدولي بشأن ايقاع العقوبات على مرتكبي الجرائم الخطيرة , وقد تم دمج هذه الممارسة في العديد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة (المعروفة باتفاقية مناهضة التعذيب) التي صدرت في 10 كانون الاول 1984 

كما تضع صكوك دولية اخرى التزاماً مماثلاً للاختصاص القضائي الدولي على الدول الاطراف بان تخول محاكمها المحلية صلاحية النظر في الانتهاكات الخطيرة لتلك الصكوك

ساعدت ممارسات الدول والاعتقاد بالالزام في ترسيخ قاعدة عرفية تمنح الحق للدول في توسيع نطاق اختصاصها القضائي العالمي ليشمل انتهاكات خطيرة اخرى للقانون الدولي الانساني فأصبحت لحقيقة ان للدول الحق في اضفاء الاختصاص القضائي العالمي على محاكمها الوطنية قاعدة من قواعد القانون العرفي (القاعدة 157 من دراسة الجنة الدولية للصليب الاحمر للقانون الدولي الانساني العرفي لسنة 2005)

شروط ممارسة الاختصاص القضائي العالمي

-قبوله من قبل الدولة من خلال تنظيمه تنظيم تشريعي بالنص عليه في انظمتها التشريعية

-تواجد المتهم بارتكاب الجريمة داخل اقليم الدولة


وتتميز قواعد الاختصاص القضائي العالمي بكونها قواعد انفرادية , فكل مشرع يتطرق الى تحديد الحالات التي تختص فيها المحاكم الوطنية دون ان يتعدى ذلك الى تحديد حالات من اختصاص محاكم دول اخرى . وقد ادى الطابع الانفرادي لقواعد الاختصاص القضائي العالمي وتعدد الاسس التي تقوم عليها وعدم وجود سلطة عليا تتولى توزيع الاختصاصات على المحاكم المختلفة الى تنازع الاختصاص بين الدول بالنسبة للجرائم ذات العنصر الاجنبي 


قواعد تنازع القوانين وقواعد الاختصاص القضائي العالمي

قواعد تنازع القوانين قواعد مزدوجة الجانب لا تقتصر على تحديد حالات تطبيق القانون الوطني فحسب بل تبين ايضاً القانون الواجب التطبيق على المنازعات ذات الطابع الدولي دونما اعتبار لكون هذا القانون قانوناً وطنياً ام اجنبياً , على عكس قواعد الاختصاص القضائي العالمي التي تكون قواعده انفرادية ذات شق واحد تقتصر وظيفتها على بيان حالات  اختصاص المحاكم الوطنية في المنازعات ذات الطابع الدولي دون ان تتخطى الى بيان حدود اختصاص المحاكم الاجنبية 

مبدأ التكامل وممارسة الاختصاص القضائي العالمي ازاء الجرائم الدولية الاساسية

يعد مبدأ التكامل احد المبادئ التي تقوم عليها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ومفاده هو ان المحكمة لا يمكنها التحقيق في الجرائم الاساسية والمعاقبة عليها الا اذا كانت الدولة المعنية غير قادرة على ذلك او غير راغبة فيه ويعد هذا المبدأ احد المبادئ لقبول الدعوى امام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

اما مبدأ الاختصاص القضائي العالمي فهو الملجأ الاخير الذي تنص عليه كثير من الانظمة الجنائية الوطنية حينما يتعذر المحاكمة على الجرائم الدولية الاساسية بسبب مبدأ الاختصاص الاقليمي او الشخصي (الايجابي / السلبي) .


المراجع 

-القاموس العملي للقانون الانساني

-اللجنة الدولية للصليب الاحمر / نطاق مبدأ الاختصاص القضائي العالمي وتطبيقه

 -the centre for international law research and policy

-مجلة العلوم القانونية و الاجتماعية/ صبحي محمد

-مجلة البحوث القانونية والاقتصادية 



أحدث أقدم