بقلم : حسن علي حسن
تعتبر المسؤولية المدنية من المحاور الأساسية التي يقوم عليها القانون المدني لما لها من صلة بفكرة التعويض عن الضرر والتي تمثل الجانب الأبرز لتطبيق العدالة في المجتمع ، ويستلزم القانون لتحقق المسؤولية التقصيرية توافر الأركان الثلاثة وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بأعتبار ان الخطأ هو السبب في حصول الأذى الواقع على المتضرر وبخلاف ذلك لاتنهض المسؤولية لانتفاء العلاقة او الرابطة السببية والتي يطلق عليها بعض الفقه مصطلح ( السببية المباشرة ) فأن كانت هناك عوامل اخرى تدخلت وقطعت ارتباط الضرر بالخطأ فلا توجد هذه السببية لأن النتيجة المتحصلة غير مرتبطة بالسبب ارتباطاً طبيعياً . وبعد هذه المقدمة يتعين علينا معرفة ما هو فعل الغير باعتباره سبباً اجنبياً وما أثره على احكام المسؤولية التقصيرية
ماهو فعل الغير باعتباره سبباً اجنبياً ؟
يشير مصطلح الغير في القانون الى عدة دلالات تختلف بأختلاف المعنى المراد التعبير عنه وبأختلاف الهدف من وروده في مسألة معينة حيث اوردت التشريعات هذا المصطلح دون بيان مفهومه بشكل واضح وتفصيلي وهذا ما سنتطرق له .
فعل الغير في الفقه القانوني :
يعد مصطلح فعل الغير من المصطلحات القانونية القديمة حيث بدأ تداولها في القانون الروماني عندما اخذوا باستخدامه عن قاعدة نسبية أثر العقد التي تشير الى - ان العقود وأحكام القضاء لا تتعدى لغير اطرافها بنفع او ضرر - ، وقد استخدم الفقه الفرنسي هذا الاصطلاح حيث اشار أليه الفقيه الفرنسي بوتيه والذي أستعمل اصطلاح الغير وعنه اخذت المجموعة المدنية الفرنسية .
ويعرف الفقه فعل الغير الذي يعتبر فعله احد صور السبب الاجنبي بأنه ( الشخص الأجنبي عن كل من المدعي والمدعى عليه ) ، ويرى اخرون من الفقه بإن الغير المقصود في السبب الأجنبي ضمن نطاق الحيوان او البناء فالغير كل شخص غير مسؤول عنه الحارس اي لايمت بصلة الى المدعى عليه ( كالولي او الوصي او القيم ) فالحادث لا يعتبر ناتجاً عن فعل الغير اذا كان قد حصل بفعل قاصر الذي هو تحت ولاية حارس السيارة او عن فعل تلميذ او ان يكون هذا الشخص تابعاً له ( كصاحب عمل) . فهولاء جميعهم لا ينطبق عليهم وصف الغير الأجنبي الذي يكون فعله سبباً اجنبياً في المسؤولية المدنية .
ونحن يمكننا بعد كل ما تقدم ان نضع تعريفاً للغير ألذي يعتبر فعله سبباً اجنبياً ( بأنه كل شخص يكون اجنبي عن المدعي والمدعى عليه ولاتربطه به أي سلطة او أشراف او توجية او تبعية وبأي صورة
اشتراط صفة الخطأ في فعل الغير
أختلفت التشريعات المدنية في ضرورة تحقق صفة الخطأ في فعل الغير من عدمه لاعتباره سبباً اجنبياً فالبعض من التشريعات استعملت عبارة ( فعل الغير ) ومنها المشرع العراقي حيث أشار في المادة ٢١١ من القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ النافذ الى أنه ( أذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او خطأ المتضرر كان غير ملزم بالضمان مالم يوجد نص او اتفاق على خلاف ذلك ) ، والبعض الآخر استعمل مصطلح ( خطأ الغير ) كما في التشريع المصري رقم ١٣١ لسنة ١٩٤٨ حيث نصت المادة ١٦٥ منه على ( أذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او خطأ من المضرور او خطأ الغير كان غير ملزم بالتعويض مالم يوجد نص او اتفاق على خلاف ذلك ) ، ونحن نرى ان اغلب التشريعات المذكورة أنفاً التي تستعمل عبارة ( فعل الغير ) ومنها التشريع العراقي هي الأقرب الى الصواب من القوانين التي تستعمل عبارة ( خطأ الغير ) لان العبرة بمدى تسبب فعل الغير في احداث الضرر وليس بوصفه خاطئ أم لا ، من جانب اخر ان انتفاء المسؤولية التقصيرية لانتفاء ركن السببية لا تشترط الخطأ في فعل الغير وانما تتوقف على ما يقع من ضرر لفعل الغير
ماهي شروط فعل الغير ؟
يعتبر فعل الغير احد صور السبب الأجنبي وبالتالي يتطلب شروطه و يذهب الفقه في معرض الحديث عن حكم فعل الغير بأعتباره احد صور السبب الأجنبي الذي ينفي الضرر بشكل كلي او جزئي عن المدعى عليه " كل فعل او حادث معين لا يُنسب الى المدعى عليه ويكون قد جعل وقوع العمل الضار مستحيلاً وكان غير متوقع ولا يمكن تلافيه "
وبالتالي يشترط الفقه لاعتبار فعل الغير سبباً اجنبياً يعفي المدعى عليه من المسؤولية المدنية شرطين هما :
١- وجود العلاقة السببية بين الضرر الواقع على المدعي وبين خطأ الغير الذي يعتبر سببٌ اجنبي وانتفاء أسناد الضرر الى المدعى عليه .
٢- توافر أركان السبب الأجنبي العامة حيث يُعتبر السبب الأجنبي وسيلة لنفي المسؤولية المدنية بصفة عامة فقد نصّت المادة ١٢٧ على السبب الأجنبي المعفي من المسؤولية وذكرت أنّه السبب الذي لا يد للشخص فيه كحادث مفاجئ أو القوة القاهرة أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ صدر من الغير، أمّا نص المادة ١٣٨/٢ فيما يخص مسؤولية حارس الأشياء غير الحيّة وتقضي في فقرتها الثانية بأنّ للحارس أن يتخلّص من مسؤوليته إذا ثبت أنّ الضرر قد حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو الحالة الطارئة أو القوة القاهرة.
ففي هذه الحالة يجب علينا توضيح اركان السبب الأجنبي وهما ركنين :
١- الحادث الغير متوقع أو عدم توقع الحادث : يجب ان يكون الحادث غير متوقع ،أي أن لايكون من ضمن ما يمكن حدوثه في ظروف عادية ومعيار عدم التوقع هو معيار موضوعي وليس معيار شخصي ليُقاس على أساس الشخص المعتاد لو وضع في ظروف المدين الخارجية نفسها . فمثلاً عند السفر في ظروف طبيعية حسنة في الرؤية لا يتوقع بالنظر الى هذه الظروف الى سقوط شجرة في الطريق لكن بالعكس اذا كان الجو عاصف مع رياح قوية فمن الممكن أو من المتوقع سقوط شجرة في الطرق وهذا ما يؤدي الى انتفاء السبب الأجنبي .
٢- شرط استحالة الدفع : يلزم لتحقق السبب الأجنبي أن يكون الحادث أو الواقعة مستحيلة الدفع ، فان كان بالإمكان التخلص منه من قبل المدعي فلا يعتبر سبباً أجنبي حتى مع استحالة توقعه والاستحالة المقصود بها هنا هي الاستحالة المطلقة ليست الاستحالة النسبية ويستوي ان تكون الاستحالة مادية او معنوية وفي جميع الاحوال يبقى للقاضي السلطة التقديرية في تحديد نوع الاستحالة ويقدر شرط عدم أمكانية الدفع بمعيار موضوعي لا عبرة فيه بشخص المدعى عليه وظروفه الخاصة .
ويجب توافر صور السبب الأجنبي من عدم التوقع واستحالة الدفع لأنهما شرطان اساسيان متلازمان فلا يستطيع المدعى عليه التخلص من المسؤولية المدنية بمجرد انتفاء العلاقة السببية بينه وبين الضرر وإنما يُلزم أن تتوافر في فعل الغير عناصر السبب الأجنبي التي يتطلبها القانون
أثر فعل الغير باعتباره سبباً اجنبياً على المسؤولية التقصيرية
يقصد بفعل الغير الذي يعتبر سبباً احنبياً مانع من موانع المسؤولية المدنية وجود طرف ثالث في احداث الضرر الذي يقع على المدعي والذي قد يحتج به المدعى عليه على اساس ان فعل الغير قد استغرق خطأه والذي يشكل لوحده علاقة سببية ونتيجة وحيدة للضرر الواقع على المدعي أو قد يشترك مع خطأ المدعى عليه ويكون له دور في إحداث الضرر لذلك سنبين هنا اثر فعل الغير وحده باعتباره سبباً اجنبياً ، وأثر فعل الغير في حالة اشتراك فعله مع المدعى عليه في احداث الضرر .
أثر فعل الغير وحده في احداث الضرر :
من أهم الآثار التي تترتب على تحقق السبب الأجنبي والتي من صور الموضوع هو ( فعل الغير) والتي تمس المدعى عليه حيث يتم إعفاء المدعى عليه بشكل تام من المسؤولية المدنية وهو الأمر الذي اشارت اليه اغلب التشريعات المدنية حيث أشار المشرع العراقي في المادة ٢١١من القانون المدني العراقي رقم ٤١ لسنة ١٩٥١ ( اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ لسبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير أو خطأ المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك ). وايضاً أشار المشرع المصري في المادة ١٦٥ من القانون المدني المصري رقم ١٣١ لسنة ١٩٤٨ على أنه ( اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور او خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك ).
أما موقف القضاء بخصوص هذا الموضوع ايضاً فقد ذهب القضاء العراقي بنفس المنوال الذي اتخذه المشرع بصدد الإعفاء الكلي من المسؤولية التقصيرية لتوافر السبب الأجنبي ، حيث اعتبرت المحاكم العراقية في احد احكامها الى ان فعل الغير الذي يعتبر خطأ يكون سبباً كافياً لإعفاء المدعى عليه بشكل تام من المسؤولية المدنية. وقد اتخذ القضاء المصري نفس المسلك حيث جاء في محكمة النقض المصرية أنه "أن المقرر قانونا ان فعل الغير أو المضرور لا يرفع المسؤولية عن الأعمال الشخصية او يخفف عنها الا اذا اعتبر هذا الفعل خطأ بذاته واحدث الضرر بذاته او ساهم فيه فإذا استغرق خطأ الغير خطأ المدعى عليه فأنه يتحمل المسؤولية كاملة.
أثر اشتراك فعل الغير مع فعل المدعى عليه :
نصت المادة ٢١٧ من القانون المدني العراقي رقم ٤١ لسنة ١٩٥١ ( ١- أذا تعدد المسؤولون عن عمل غير مشروع كانوا متضامنين في التزامهم بالتعويض عن الضرر دون التمييز بين الفاعل الاصلي والشريك والمتسبب.
٢- ويرجع من دفع التعويض بأكمله على كل من الباقين بنصيب تحدده المحكمة بحسب الأحوال وعلى قدر جسامة التعدي الذي وقع من كل منهم، فإن لم يتيسر تحديد قسط كل منهم في المسؤولية يكون التوزيع عليهم بالتساوي )
وبذلك ايضاً أشار المشرع المصري في القانون المدني المصري في المادة ١٦٩ ( اذا تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بالتعويض عن الضرر بالتساوي إلا اذا عيّن القاضي نصيب كل منهم في التعويض )
الغرض في هذا الصدد أنه في حالة اشتراك خطأ المدعى عليه مع فعل أو خطأ الغير في أحداث الضرر وثبتت العلاقة السببية وكان للضرر سببان اعتبر كل من المدعى عليه والغير متضامنين بتعويض المضرور على ان يكون كل خطأ مستقل عن الآخر فيكون كل منهم مسؤول بقدر جسامة الضرر الذي أحدثه وفي حالة عدم إمكان تحديد جسامة الضرر الذي ارتكبه المدعى عليه أو الغير فللمحكمة أن تقضي بالتساوي بينهما في تعويض المتضرر عما لحقه من ضرر.
يلاحظ من خلال النصين ان هناك فارق يتمثل بأن الأصل في القانون المدني العراقي هو تحديد نصيب كل واحد من المسؤولين بمقدار جسامة الضرر الذي أحدث في المتضرر أما في القانون المدني المصري نلاحظ ايضاً أن المشرع المصري أقر بالتضامن إلا إذا قام القاضي المختص بتحديد نسبة الضرر الذي يحدثه أي من المدعي أو الغير فحينها يكون كل من المدعى عليه والغير مسؤول عن نسبة الضرر الذي أحدثه وفي حال عدم معرفة نسبة الضرر الذي أحدثه المدعى عليه أو الغير فللمحكة ان تقرر بالتساوي.
ويجوز للمدعي ان يرجع على أي من المدعى عليه أو الغير والحصول على التعويض كاملاً باعتبارهم متضامنين تجاه حيث القانون أباح للمدعي الرجوع على اي منهما في سبيل الحصول على التعويض حسب القدرة المالية للمدعى عليه او الغير . مثلاً اذا قام المدعي بالرجوع على الغير الذي كانت نسبة مساهمته في إحداث الضرر هي ٦٠ بالمئة بالتعويض الكامل مع العلم ان نسبة مساهمة المدعى عليه في احداث الضرر هي ٤٠ بالمئة فهنا القانون أباح للمدعي الرجوع على المدعى عليه او الغير للمطالبة بالتعويض فهنا يقوم الغير حسب قدرته المالية بدفع التعويض كاملاً ويقوم بالرجوع على المدعى عليه للحصول على نسبة التعويض الذي عليه
الخاتمة:
بعد ما تطرقنا الى مفهوم فعل الغير باعتباره سبباً اجنبياً وأثره على المسؤولية التقصيرية والذي يستطيع المدعى عليه باعتباره سبباً اجنبياً أن يتمسك به في الدعوى لينفي مسؤوليته المدنية
توصلنا إلى عدة نتائج :
١- إن مصطلح الغير من المصطلحات القانونية المبهمة والغير واضحة المعنى بشكل دقيق وإنما يختلف معناه ما يشير إليه لكل حالة يتعرض إليها القانون المدني وأن مفهومه في نطاق المسؤولية المدنية مثار اختلاف بين الفقهاء باعتباره أحد صور السبب الأجنبي وتوصلنا إلى أن جميع الآراء بصدد هذا التعريف تدور حول محور واحد وهو أن الغير كل شخص غير المدعى عليه نفسه أو تابع له برابط قانوني .
٢-يستطيع المدعى عليه أن ينفي المسؤولية عنه بشكل تام اذا اثبت ان الضرر قد وقع نتيجة تدخل شخص الغير الذي يعتبر فعله سبباً اجنبياً ،ووحدة المسؤولية المدنية تتحقق إذا كان فعل الغير هو الفعل الوحيد الذي احدث الضرر فيتحمل عبء التعويض.
٣-يستطيع المدعي أن ينفي المسؤولية المدنية عنه في الدعوى بشكل بشكل جزئي عندما تتعدد الأسباب في ايقاع الضرر كما لو كان نتيجة اشتراك فعل الغير والمدعى عليه ولم يستغرق أحد الفعلين الآخر. وفي حالة عدم معرفة نسبة جسامة خطأ أي الفاعلين أي نسبة جسامة خطأ المدعى عليه أو نسبة جسامة الغير فيتساوى الجميع بتعويض المدعي.
المصادر:
١-د.محمود سعد الدين شريف ، شرح القانون المدني العراقي نظرية الالتزام ،ج ١، ص٣٣٩
٢- عاطف محمد كامل ، الغير في القانون المدني المصري ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة الاسكندرية ،١٩٧٦،ص٧
٣-د.عبد الرزاق احمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، ج٢ ،نظرية الالتزام بوجه عام.
٤- د. علي عبيد عودة الجيلاوي ،العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، رسالة ماجستير ،كلية القانون جامعة بغداد ، ١٩٧٧،ص٣٣٩