بقلم : تارة فراس التميمي
يغيب عن الكثيرين وجود قانون يضمن حياتهم ويصرف لهم مبالغ تعويضية جرّاء حوادثهم المرورية، حيث يتم تعويض المتوفين والجرحى عمّا يصيبهم من هذه الحوادث التي أخذت تتزايد بشكلٍ ملحوظ ومؤسف في الآونة الأخيرة نتيجة لانعدام وسائل السلامة واهتراء الطرق ورداءة السيارات المقتناة من قبل المواطنين، حيث التفت المشرع العراقي إلى ضرورة معالجة الأضرار الناجمة عن حوادث السير والتأمين على أرواح المواطنين من خلال تشريع قانون التأمين الإلزامي رقم (٥٢) لسنة ١٩٨٠ المعدل، حيث أمّن هذا القانون على جميع السيارات في الأراضي العراقية واعتبرها مشمولة تلقائيًا بالخضوع له عدا إقليم كردستان، وشُمِلت في القانون ايضًا باقي المركبات حيث جاءت المادة الثانية منه بفقرتها الاولى :" تعتبر سيارة لاغراض هذا القانون، كل مركبة ذات محرك يعمل بالوقود وقادرة على السير في الطرق البرية، عدا ما تسير منها على السكك الحديد" وأوكل في الفقرة الثانية من نفس المادة إلى شركة التأمين الوطنية أو أية جهة يعهد اليها تنفيذ أحكام هذا القانون، مهمة احتساب التعويضات للمواطنين عمّا يلحقهم من أذى جرّاء حالات الدهس والاصطدام والانقلاب والتدهور .
فعندما يتعرض أحد المواطنين لأي نوعٍ من أنواع حوادث السير المذكورة، يحق له مراجعة شركة التأمين الوطنية لتعويضه عن الإصابات البدنية التي لحقته من بعد تقديم الأدلة الثبوتية وتقدير نسبة الضرر من قبل لجان التعويض والتقدير لكي يستحق المواطن التعويض، أما في حالة الوفاة فيراجع الشركة من ينوب عن المتوفي لاستحصال مبلغ التعويض، وأشار القانون إلى أنه يجب على المؤمّن أن يؤدي المبلغ كاملًا إلى صاحب الحق أو المتضرر، حيث يجب استيفاء التعويض دفعةً واحدة دون تقسيطه أو جعله إيرادًا مرتبًا، وهذا لا يشمل هيكل السيارة ولا الأضرار التي تلحق بها، ويسقط حق المطالبة بالتعويض بعد مرور سنة ابتداءً من تاريخ وقوع الحادث أو من تاريخ العلم به بالنسبة للمصاب، ومما قد يعلمه البعض ويجهله الآخر، أن قسط التأمين الإلزامي من حوادث السير يستقطع من المواطن نفسه، حيث نصت المادة الرابعة بفقرتها الأولى على أنه :"يستوفى قسط التأمين الإلزامي على المركبات بنسبة (0.003) ثلاثة بالألف من مجموع مبالغ المبيعات الفعلية لشركة توزيع المنتجات النفطية من البنزين وزيت الغاز عدا المجهز إلى وزارة الكهرباء و تودع المبالغ لدى الشركة لحين توزيعها"، ووضحت كيف يتم توزيع المبالغ في الفقرة الثانية من نفس المادة :"توزع المبالغ المتحققة لدى شركة توزيع المنتجات النفطية بعد استقطاع حصتها البالغة نصف بالمائة من هذه الزيادة بواقع (50%) الى شركة التأمين الوطنية و (50%) الى الموازنة العامة للدولة و تسدد بأقساط ربع سنوية"، فكل مواطن يساهم بشكلٍ تلقائي في تمويل صندوق التعويضات لدى شركة التأمين الوطنية، وانطلاقًا مما ذكر آنفا، وبما أن هذا القانون موضوعٌ لحماية المواطن وتعويضه، فلماذا يجهله المواطن؟ ولماذا من يعلمه لا يلجأ إليه في استيفاء حقه؟
أن الإجابة على هذه الاسئلة تحمل في طياتها أوجهٌ عديدة وأسباب ممتدة، لكن ما نود طرحه بإقتضاب هو أنه ثمة ضعف ثقة واضح وجلي عند العراقيين بشركات التأمين والتأمين بكل أشكاله سواء كان اختياريًا أم إلزاميًا مما يجعلهم عازفين عن اللجوء له تحت أيّ ظرف كان، في الضفة الأخرى هناك تعتيم مستغرب على هذا القانون، فلم نرَ من ساهم في نشره وتعريف الآخرين به إلا ما ندر، ناهيك عن الإشكالات التي تطول اللاجئين للشركة الوطنية والجهات الموكول إليها تسديد التعويضات التي تصرف مبالغًا زهيدة للتعويض لا تتناسب مع حجم الضرر الواقع على المواطنين، وعدم خضوع القانون لأي تعديل منذ صدوره عدا تعديل سنة ٢٠١٦ الذي أجرى عليه بعض التعديلات الطفيفة جدًا، كل هذه الاسباب وأكثر ساهمت بنسيان هذا القانون وتجميده، حتى توارى خلف الأنظار في ظل غياب الاهتمام المجتمعي والتطبيق الكفء له، مما حال بينه وبين تحقيق المباغي المرجوة من تشريعه وهيّ إسباغ الحماية على روح المواطن والنأي به عن اللجوء للنزاعات التي تثيرها حوادث السير، وما نرجوه من طرحنا هذا أن تلتفت الأقلام والأصوات إلى غرس ثقافة التأمين لدى المواطن، وأن تعمل شركات التأمين على تعزيز الثقة والمصداقية بها والالتفات إلى مسألة التعويض بما يوائم الضرر والمطالبة بإجراء تعديلات قانونية مثمرة تصب في صالح المواطن وتواكب وضعه الراهن وإشكالاته الحديثة أو على الأقل تعريفه بما غاب عن معرفته من حقوقٍ مدثورة.