تناول المشرع العراقي مبدأ حسن النية بصيغة مختلفة اُخرى، ألا وهي؛ سلامة النية في عدة مواد، أهمها هي المادة (٤٠) والمادة (٤٦) من قانون العقوبات العراقي، في موضوع أسباب الإباحة، فالمادة (٤٠) تنص:
لا جريمة اذا وقع الفعل من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة في الحالات التالية:-
اولاً: إذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اعتقد إن إجراءه من اختصاصه…
المادة (٤٦):
لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد أفراد السلطة العامة أثناء قيامه بعمل تنفيذاً لواجبات وظيفته ولو تخطى حدود وظيفته إذا كان حسن النية، إلا اذا خيف أن ينشأ عن فعله موت أو جراح بالغة، وكان لهذا الخوف سبب معقول.
مفهوم سلامة النية
إن مفهوم سلامة النية بشكل عام؛ هو القصد الحَسن وانتفاء القصد الجرمي في نطاق قانون العقوبات، وهو التصرف بعدالة و حق وإنصاف وصدق في الاقوال والافعال وتجرد الشخص من سوء النية، وهو ايضاً خلو الذهن من الغرض السيئ ،والمقاصد الخبيثة، والتصرف بمشروعية بعيداً عن المقاصد غير المشروعة ،والشخصية؛ فالنية هي المحرك الحقيقي للأفعال لذلك تقاس مدى منطقية ومشروعية الأفعال بها، كذلك سلامة النية هو أن ينتفي الشر في استعمال الشخص لحقه، كذلك هو التصرف بشفافية ونزاهة وعدم وجود نية خبيثة وغير صادقة في التعامل.
مفهوم حسن النية
حسن النية،هو مفهوم أخلاقي بحت،وهو يعني التصرف بأمانة وإخلاص ، وفعل ما يملي إليه الفطرة الأخلاقية للإنسان،وهو مفهوم لديه أبعاد قانونية ليس فقط في القانون الجنائي بل ببقية القوانين ايضاً منها المدني، والدولي، والعام.. بل هو المبدأ العام لتنفيذ التزامات الشخص في حياته، وهو جانب مهم وأساسي في السلوك الأخلاقي للإنسان ، وهو يستخدم كأساس لقيام المسؤولية الجزائية والمدنية من عدمها، وأحد الأسس التي تقوم عليها العدالة الجنائية ،وهو يعكس فلسفة العدالة والتوازن في التعامل، ويعطي مرونة للقضاء للنظر في الظروف المحيطة بارتكاب الجريمة، وحسن النية لا يعني خفة العقل والسذاجة ؛لأن حسن النية يعني التصرف بذكاء وفطنة، أما الأخيرة تعني التصرف بغباء وسوء تقدير للأمور.
ما هو الفرق بين حسن النية وسلامة النية؟
●مبدئياً، سلامة النية هو التجرد من الغرض الشخصي السيء في أداء التزامات الشخص في حياته.
●حسن النية عكس ذلك، هو عندما يكون هناك قصدً محدداً يكون هو الدافع للسلوك الإنساني.
الفرق الجوهري بينهما، هو بدرجة اليقين التي يكون عليها الشخص ،بمناسبة القيمة القانونية والواقعية للتصرف الذي يصدر عنه، بمعنى أكثر وضوحاً؛ عندما تكون درجة اليقين عالية جداً، فإن الشخص حينذاك يكون شخص سالم النية، بمعنى خلو الذهن تماماً من أي احتمال سلبي بشأن قيمة التصرف، وهذا الاحتمال موجود بدرجة قليلة بمبدأ حسن النية مقارنتاً بسلامة النية.
آثار إستخدام مبدأ حسن النية في القانون الجنائي
يوفر مبدأ حسن النية حماية، وتقدير للمتهم في نطاق مسؤوليته الجزائية، وتقدير عقوبته، تبعاً لمدى حسن من سوء نيته في ارتكاب السلوك الجرمي والجرائم المختلفة:
١- جريمة القتل: وهو جوهر بحثنا في شرح هذه المادة أعلاه، فعندما يقوم شخص حسن النية بالقتل، كما في حالة الدفاع الشرعي أو المشروع، أو في أداء واجبه، فإن توافر مبدأ حسن النية فيه، يؤثر في عقوبته تخفيفاً ، بل حتى يلغيها.
٢- جريمة السرقة: إن توافر حسن النية في جريمة السرقة، يخفف من عقوبتها، بل تأخذه المحكمة كظرف مخفف للجريمة، مثلاً عندما تكون السرقة لأجل تأمين الغذاء ،أو لأجل علاج لدى الطبيب.
٣- جريمة الاحتيال: عندما تُرتكب جريمة الإحتيال، بحسن نية ، مثلاً عندما يقوم البائع بإسراد عدة أقوال، لأجل إبرام اتفاقية أو عقد، فإنه يخفف العقوبة أو يلغيها، لأنه لم يقصد الاحتيال بذلك ،بل كانت أعراف مهنته تبيح له ذلك.
٤- جرائم الإيذاء: حسن النية في جرائم الإيذاء يؤدي كثيراً إلى تخفيف العقوبة، عندما تكون تلك الجرائم تُرتكب دفاعاً عن النفس أو المال، فتصبح حالة من حالات الإباحة.
٥- جرائم التهديد: يبرز حسن النية في جرائم التهديد، عندما يكون سبيلاً لدرء خطراً ،أو لدفع أذى وشيك وجسيم، وتأخذ به المحكمة عند الحكم بالعقوبة المقررة.
●الخلاصة
إن هذه المبادئ ؛من المبادئ العالمية في جميع فروع القانون، والتي لها أهمية كبيرة، في دراسة وتحليل السلوك الإنساني، وتقييم الواقعة المادية والقانونية، وقياس السلوك البشري،وفقاً لهذه المبادئ ،ليسهل على المشرع والقاضي تشريع وتطبيق القانون، بشكل مثالي ومنتج.
وقد ورد هذا المبدأ في العديد من المواثيق والاتفاقيات العالمية، مثل اتفاقية فيينا ١٩٦٩، وميثاق روما ١٩٩٠، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات البيوع الدولية CISG، حتى في محاكم نورمبرغ،ورواندا، و المحكمة الجنائية الدولية..وغيرها من المواثيق والاتفاقيات.
●المصادر
أ.د فراس عبد المنعم عبد الله، محاضرات في القانون الجنائي، أسباب الإباحة.
أحمد موسى،مبدأ حسن النية في القانون الجنائي،بحث منشور