صوت البرلمان العراقي في السابع والعشرين من أبريل ٢٠٢٤ على نص تعديل قانون مكافحة البغاء والشذوذ والذي تضمن نصوصا عقابية للشذوذ الجنسي و التخنث و تغيير الجنس وكانت الأسباب الموجبة للقانون كالاتي "انسجاما مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية التي خلق الله (تعالى) الإنسان عليها من ذكر وأنثى وحفاظا على كيان المجتمع العراقي من الانحلال الخلقي ودعوات الشذوذ الجنسي التي غزت العالم، ولخلو التشريعات العراقية من العقاب الرادع لأفعال الشذوذ الجنسي ومن يروج لها. شرع هذا القانون . " . اريد في هذه المقالة ان اناقش هذا القانون كوسيلة للتنظيم بجانب التنظيم الديني و الاجتماعي للحالة محل النظر , والنظر في امكانية نجاحه في التنظيم بالنظر إلى أهدافه وبصرف النظر عنها مرة اخرى . لنوضح المشاكل التي اعترت هذا التشريع بالرغم من التشجيع الذي احاطه , والذي لن يزيد في رأيي الا من تعطيل التنظيم الذي جاء ليقوم به وربما افشاله .
التنظيم القانوني
تناول القانون ثلاث حالات هي الشذوذ الجنسي ويقصد بها أي ممارسة تخالف العادات الجنسية السليمة كالبغاء او المتاجرة به أو تبادل الزوجات او المثلية وغيرها من الحالات المشابهة , و التخنث ويقصد بها تشبه الذكور بالاناث , و تغيير الجنس , والترويج لأي من هذه الحالات .
وقد كان التعديل محيطا بمشاكل تزاحم القوانين فحرص على تأكيد علوية نصوصه على القوانين والاتفاقيات الاخرى الحالية واللاحقة , والغاء النصوص السابقة التي تتناول ذات المواضيع , وهذه كلها اجراءات جيدة للحفاظ على استقرار تطبيق القواعد القانونية كانت النصوص السابقة في القوانين كافة تفتقر إليها .
الا ان النص كانت له نبرة عقابية منفردة وهذا أمر يعيبه لكنه لا يقلل من أهميتها . وأقصد بهذا أن القوانين الجنائية الحديثة قد استقرت على اتباع منهج علمي في تحقيق أغراض التنظيم التي شرعت لتحقيقه , وهذا ما كان غائبا في التشريع , حيث انه استقر على مبدأ مواجهة الجريمة بالعقوبة او التخلص من المجرم لأطول فترة ممكنة , ولعل نصوص التعديل تكشف لنا عن غايات التنظيم التي جائت به . من ثم اعادة تقييم امكانية نجاحه و بشكل منفرد عن جدواه .
اهداف هذا التنظيم
من خلال استقراء النصوص يمكننا أن نسطر بعض الأهداف التي كانت في نظر المشرع عن صياغته للنصوص القانونية :
١- التصدي للبغاء والشذوذ الجنسي بالإكراه وبالرضا
٢- التصدي للعلاقات الجنسية غير المشروعة
٣- التصدي للتجارة بالجنس
٤- منع عمليات تغيير الجنس بعيدا عن الحاجات الطبية
٥- التصدي لعمليات الترويج للطباع الجنسية الخارجة عن الطبيعة البشرية
ورغم أن الوقت مازال مبكرا على تقييم التطبيق العملي للقانون , إلا أننا يمكننا أن نتنبأ ببعض الجوانب من خلال النظر الى المجتمع الذي سيطبق فيه . فالشذوذ الجنسي في العراق كظاهرة يتمثل بالدعارة و المثلية الجنسية من حيث ثنائية الميول الجنسية والتي تأخذ شكل الدعارة أيضا . والعراق ضحية الضغط الغربي لقبول هذه التوجهات كغيره من الدول التي تاخذ نفس الموقف المعارض , وهو ما يدعونا الى طلب توجه تشريعي إضافي . لكن الحقيقة ان القانون نظر إلى الشاذ جنسيا على انه مجرم , والحقيقة أن الغالبية في العراق مجرمين فعلا فهم يمارسون هذه الافعال اما بالاكراه او بالدعارة . لكن مشكلة كهذه لا يمكن أن تحل بهذه السياسة التشريعية . في الحقيقة ليس مستغربا أن تزيد حالات الشذوذ بل ان تتعالى الأصوات المؤيدة لمصالحهم والمعارضة للقانون . كان هذا بدءا بتصريح المتحدث بأسم الخارجية الامريكية ماثيو ميلر و منظمة هيومن رايتس ووتش HRW لكن الحقيقة ان ليس لميلر او المنظمة تاريخ يخولهم التعليق على السياسة التشريعية للعراق . فالمنظمة مثلا كانت ضد قرار منع المخدرات في الولايات المتحدة . وكانت تستعرض قصصا فردية كيف تدمرت العائلات الامريكية بسبب سجن أحد أفرادها لحيازته كمية بسيطة من المخدرات لكنها تتغاضى عن الأضرار التي تسببها المخدرات للدولة كلها ولحياة الأفراد الذين تستشهد بأسمائهم (١).
إن المشكلة في السياسة التشريعية لهذا التعديل ليس إلا نتيجة للنظرة المجتمعية للشذوذ الجنسي . واقصد هنا الشاذ جنسيا لميوله الشخصية , فالمجتمع العراقي ينظر لمثل هؤلاء الاشخاص كمجرمين كالسراق والقتلة . إن المشكلة في هذه النظرة أن المجرم يعامل كما في العصور القديمة بعزله عن المجتمع أطول فترة ممكنة . وهو في ظل الوضع العالمي الحالي المتزايد في الدعوة الى هذه الظاهرة لن يزيدها الا انتشارا .
فمجتمع (+ LGBTQ ) يظهر دائما بشكل مسالم و يدافع عن حقوق المظلومين كافة حتى إن لم يكونوا من الشواذ , بل حتى انهم مرحبين جدا بجميع الفئات فلا عنصرية بينهم وان حرف Q يشير الى queer اي المتحير فلا يحتاج الفرد حتى إلى أن يكون شاذا ليكون ضمن مجتمع يضمه بل يكفي ألا يكون متأكدا من ميوله الجنسية . وبالمقابل ينتفع من اي رد عنيف عليهم حيث يظهر انه هجوم بربري متخلف على الأفكار الحديثة المتقدمة .
لنا أن نناقش أسباب هذه الظاهرة في نهاية المقال . انما هنا يمكننا أن نتخيل سبب عدم نجاح القانون الذي ينظر للشاذ كالسارق والقاتل في منع انتشار الشذوذ . فهذه الحالة تنقسم الى وجهين الأول هو الوجه التقليدي في العراق الذي يمارس فيه الشذوذ كالدعارة , ارى ان التعديل كان موفقا في هذا الجانب . إن تجريم الافعال بشكل صريح والتشديد على الشاذ منها معالجة قانونية جيدة في التجريد , لا يمكن انكار ان هذه العملية في الواقع لن تنجح في منع الجريمة على المدى الطويل لكن ذلك يعود الى الطابع غير الاصلاحي للسجون في العراق وليس الﻻ نص التعديل . واصلاحها يتطلب اعادة هيكلة لنظام المؤسسات الاصلاحية وهو ليس بالامر المستحيل بل ازعم انه ليس صعبا إذا أخذ على محمل الجد .
ايضا ان انتشار القانون في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تكفل بمسألة التعريف بالقانون بدلا من التوقف عند الاتاحة بالمعرفة . لقد تناولت في كتاباتي سابقا أن القانون عندما يكون مهمته قمع الجريمة من خلال الإصلاح - وهو الحل الامثل - يكون وقع النص على أذهان العامة بأهمية وجوده ذاته , أي أن معرفة الكافة بوجود القانون والعقوبات المترتبة على هذه الأفعال يساهم بشكل هام جدا في تحقيق أهدافه النموذجية . ذلك بالطبع كان مصادفة , فالقانون انتشر لأنه يهم المجتمع العراقي المحافظ , وليس اتباعا لسياسة تشريعية تعطي هذه الاهمية لتعريف المجتمع بالقواعد .
الوجه الثاني لهذه الجريمة هو الترويج لها على أنها الحال الطبيعية , أي الترويج لحقوق الشذوذ الجنسي . لقد تناول التعديل هذه الحالة كما ذكرنا بالترويج لها , الا ان مواجهة هذه الأفعال بزج المتهم في زنزانة لن يتسبب إلا بانتشار الحالة على المدى البعيد ولي ان استخلص هذه النتيجة من التحليل التالي :
ان هذا التعديل نتيجة لرأي المجتمع بالشاذ جنسيا و الداعي لحقوقهم , فهو ينظر اليهم على انهم مجرمون كقوم لوط , لكن الحقيقة أننا - كدارسين للقانون - نعرف ان المجرم ليس الا ضحية . فالداعي للحقوق الجنسية يرى أنه لا يدافع إلا عن حقوق الانسان , ونحن في المقابل نحرمه من هذه الحقوق , ناهيك عن التشجيع الغربي والعالمي , وقريبا العربي لهذه الظاهرة . وستزداد في الانتشار حتما طالما أننا نواجهها بلا فقه لطبيعتها . فمن أين ظهرت ؟ متى انتشرت ؟ ما هي فلسفة المنادين بها ؟ ما هي حججهم ؟ هل تواجه فلسفتنا و حججنا تلك الخاصة بهم ؟ .
غاية القول اننا سنخسر هذه المعركة طالما اننا نواجه الفكرة بالعصا .
أن نبي الله لوط عليه السلام ضل ينصح ويحاور قومه سنين عديدة قبل ان يقرر الله عقابهم , بمعنى ان هؤلاء الاشخاص قد اعطو الفرصة للعلاج , ونحن يجب ان تتخذ نفس الموقف يجب أن نفهم سبب هذا الفكر وأبعاده ونحدد لماذا نكرهه ونقارن بين الحجج , وهذا لا يعني فتح الحوار فنحن هنا نضع ما يجب أن تقوم به السلطة وان اعطاء حق الحوار العلني يعني الانجذاب الحتمي لفئة ما الى هذه الأفكار , ومن واجب السلطة أن تراقب ما يعرض على مجتمعها من أفكار .
أسباب قبول انتشار الشذوذ الجنسي
نحن اصحاب فكر فمن المعيب أن نواجه الفكر بالقوة , ويتطلب هذا منا أن نفهم عقائدنا وأبعادها ونتائجها , وبالمقابل أن نفهم أبعاد ونتائج الفكر المقابل . واريد ان اعرض في هذه الفقرة بعض الخطوط العريضة التي يمكن أن ينطلق منها القارئ في فهم موقف المدافعين عن الشواذ ولماذا يعارضهم ليتمكن من تقييم الموقف والتوغل فيه إذا أراد . وقبل ذلك انبه بأن هذه الخطوط العريضة قد تكون ما املك من مقدرة على طرح الموضوع .
فلنا العرب علماء قد سطروا الموضوع بأدق التفاصيل وحللوه اجتماعيا ونفسيا , وكانت نتيجة ما قرأت من ذلك أن الإنسان الشاذ او المقتنع بهذه الحالة ضحية لفكر اجتماعي يخلط بين الإنسان والحيوان , أن هذه الأفكار تتولد نتيجة الفلسفة الفردية العلمانية . فالفردية تقنع الإنسان بأن له أن يفعل ما يريد طالما أنه لا يؤذي أحدا بشكل مباشر, والعلمانية تقنعه ان الاذى ليس حقيقيا إلا إذا كان ماديا , والعلمانية تقدر كل شيء نسبيا , أي لا قيمة مطلقة , فكل شيء تتغير قيمته تبعا للظروف والحالة , ونتيجة ذلك أن بعض المفاهيم المطلقة في حقيقتها كالاخلاق والإيمان والحب والصدق , توضع موضع النسبي وعندها , عندما لا يكون للإنسان مفهوم ثابت يقيم أفكاره استنادا إليه يصبح الإنسان كالحيوان البري تماما . فالحيوان يفعل ما يريد تبعا للظروف الخارجية فهو إما أن يأكل فريسته حية أو جيفة إذا اجبرته الظروف على ذلك . وهذه الظروف تسمى الطبيعة \ المادة . فعندما لا يكون للإنسان ثابت يفصله عن الطبيعة يخضع لها ولقوانينها ومن ثم يندمج فيها , وربما نرجع خطوة إلى الوراء الآن ونستذكر أن الإنسان قد روض الطبيعة وتحكم فيها لأنه مفصول عنها . فلا ننسى ان للانسان جانبان جانب حيواني لابد ان يخضع للطبيعة واخر انساني مطلق يقود الجانب الحيواني ويروض الطبيعة تحت سلطة فكره .
ومن هنا ندرك الإنسان الذي تحكمه اخلاقه ودينه الموضوعي بطبيعته . لا تكون الظروف الطبيعية ذات اهمية كبرى فالانسان قد يفضل الموت على ان لا يذل او يفضل ان يجوع غدا طالما أنه سيشارك طعامه اليوم , وقد حدث ذلك كله في فلسطين والسودان والكونغو هذا العام امام انظارنا , وهو ليس أمرا جديدا . وعليه ان الجنس ليس بالحقيقة ذو اهمية لتغيير ميوله . فهو ليس الا حاجة طبيعية يروضها الجانب الإنساني . فأن كان الانسان رجلا او امرأة طالما انه يملك ثوابت كالاخلاق تفصله عن الطبيعة وتمكنه من ترويض جوارحه . لن يكون الجنس - حتى السليم منه - ذو اهمية كبرى بل انه سيكون حاجة ياخذها الانسان بالقدر اللازم والشكل الصحيح .
وكدليل على هذا الاستنتاج يمكننا ان نرى ان منبع العلمانية والفكر الفردي يتمثل بفرنسا والولايات المتحدة وكندا . وان هذه الدول هي أكبر مجتمعات للشذوذ الجنسي والعادات الجنسية غير السليمة ( أظهرت إحصائية قبل عدة اعوام ان ٦٠% من الفرنسيين حملت بهم أمهاتهم دون زواج ) (٢), اما الدول الاخرى فهي تتدرج بقبول هذه الظاهرة تبعا لمدى سيطرة تلك الدول الاولى عليها مثل تايلاند و كوريا الجنوبية و ايطاليا وحتى لبنان , فلبنان ينازع بين التأثير العربي والغربي وهي أكثر الدول العربية انتشارا للمناداة بحقوق الشواذ . على العكس من ذلك نجد أن الدول التي لم تقم على الفكر العلماني او الفردي ولم تخضع لسيطرة هذه الدول لا يدعم مجتمعها حقوق الشواذ كروسيا والصين . وملخص هذه الفقرة أن الفكر المتعلق بحقوق الشواذ يرتبط بالفكر العلماني والفردي . والعالم العربي ما زال قائما معارضا لأنه متمسك بالثوابت الانسانية . ونحن ننزلق في هاوية القبول والخضوع لاننا لا ندرك هذه الثوابت وقيمتها .
التحركات المطلوبة
" كنت احوار احد اساتذتي من ذوي الفكر المرموق حفظه الله في مبحث من أحد أبحاثي فأشار لي بأية من القرأن الكريم , فقلت له أنك عندما تشير لي بأية لا يعود هنالك مجال للتحليل فأنت حتما المحق , لكن كيف أوضح ذلك للعالم الملحد , فرد علي , ان ديننا يخاطب العقل ".
يتوجب علينا نحن المؤسسات الخاصة والمهتمة بالتثقيف والتعليم وكذلك المؤسسات العامة . أن نستعرض هذا الفكر المخالف لارائنا ونقيمه ونفصله , ويجب أن نمتنع عن العنف وندينه فلكل فعل ردة فعل مناسبة . ويجب أن نستقبل المقتنع بهذا الفكر ونحيطه بالأمان اللازم لإصلاحه , فلا ننسى أننا نحاول اصلاح السارق والقاتل فلم اذا لا نصلح مضطرب المبادئ ؟
يقع عاتق هذا على السلطات كافة والتنفيذية أولها , وعلى المؤسسات التثقيفية الخاصة والتطوعية كما ذكرت . ولا ننسى ان هذا الطرح ليس بأي حال تعميما , فأن قبول الشذوذ والتخلي عن بعض الثوابت يجعل من الانسان المستهلك المثالي , فأن تخلي العربي عن عروبته يسمح له بأستهلاك سلع اعداءه وتخلي المسلم عن اسلامه يسمح له بأستهلاك السلع المنتجة بأقذر واقسى وارخص الوسائل , لذا ان انتشار تشجيع الشذوذ الجنسي يلعب دور الترس في ماكنة كبيرة , فأن كنا نناقش الضحايا هنا فهنالك من هو مدفوع , ويجب ان يواجه بالرد الملائم , لا ان يقتل او يعذب بل ان يعاقب العقوبة الصحيحة و الملائمة . والتفريق بين الضحية والمجرم والمجرم الضحية مهمة اضطلع بها القانونيون منذ العصور القديمة .
الهوامش
٢- تقرير على موقع الجزيرة بعنوان : %60 من أطفال فرنسا يولدون خارج إطار الزواج