يندرج نظام الدولة الحامية تحت مفهوم الآليات الرقابية لتنفيذ القانون الدولي الانساني , حيث تتولى دولة محايدة غير طرف في نزاع قائم (بأرتضاء كلا الطرفين بالاضافة الى رضا الدولة الحامية نفسها) مراقبة مدى التزام اطراف النزاع بأحترام القانون الدولي الانساني وتتولى لفت النظر الى ما يعتبر مخالفاً لاحكامه .
تعريف الدولة الحامية
تعرف الدولة الحامية بأنها دولة تتولى رعاية مصالح دولة ما ومصالح رعايا دولة ما لدى دولة ثالثة , أي بمعنى اخر انها دولة تؤتمن من قبل دولة ما (وتسمى الدولة المرسلة) لحماية مصالحها ومصالح رعاياها في دولة ثالثة (وتسمى بالدولة المستقبلة او المستضيفة) .
ويُفعل هذا النظام في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولة المرسلة والدولة المستقبلة , حيث تتفق كلا الدولتين على تعيين دولة ثالثة لتكون بمثابة وسيط بينهما , فالدولة الحامية هي التي توافق في حالة قطع العلاقات المعتادة بين دولتين متحاربتين بان تقوم بتمثيل مصالح طرف في النزاع لدى الطرف الاخر .
يعود تأسيس هذا النظام الى الحرب الفرنسية البروسية عام 1870 ( الحرب السبعينية ) واصبح تعيين دولة حامية قانونا دوليا عرفيا بعد هذه الحرب ووسعت الدولة الحامية مسؤلياتها بموافقة الدول المتحاربة في الحروب اللاحقة . وقد نشات نزاعات حول حقوق وواجبات الدول الحامية نظراً لعدم اتسامها بالطابع الرسمي بموجب المعاهدات الدولية , واضفي عليها الطابع الرسمي في اتفاقية جنيف 1929 اذ سُمح للدول الحامية بتفتيش معسكرات الاسرى ومقابلتهم على انفراد و التواصل معهم بحرية وتزويد مكتبة السجن بالكتب , واعتمد هذا النظام في اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 في المواد (8,8,8,9) وكذلك في البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 في المادة 2 والتي حددت حقوق وواجبات الدول الحامية والتي سيتم ذكرها فيما بعد .
الشروط الواجب توافرها لتعيين دولة حامية
- ان تكون الدولة الحامية محايدة , ولا يقصد من هذا الحياد هو الحياد الدائم كما هو الحال بالنسبة للاتحاد السويسري وانما المقصود بحياد الدولة الحامية هي عدم كونها طرفا في النزاع القائم .
- ان يتم تعيينها من قبل الدولة التي تم احتلال اراضيها لحماية مصالحها ومصالح رعاياها .
- ان تحضى الدولة الحامية بموافقة الدولة الحامية نفسها وكذلك موافقة دولة الاحتلال .
صلاحيات الدولة الحامية
تتمتع الدولة الحامية بجملة من الحقوق و الواجبات التي ورد ذكرها في اتفاقيات جنيف الاربع .
-تقديم المساعي الحميدة من اجل تسوية الخلافات في جميع الحالات التي تخل بمصالح الاشخاص المحميين , وعلى الاخص في حالة عدم اتفاق اطراف النزاع على تطبيق اتفاقيات جنيف .
-الحق في زيارة الاشخاص المحميين والحق في تقييم ظروفهم المعيشية في حالات الاحتجاز .
-الاشراف على توزيع امدادات الاغاثة وضمان الحفاظ على الطبيعة المحايدة و المدنية لعمليات الاغاثة ومنع توجيهها لاغراض عسكرية.
-الاشراف على التنفيذ الملموس لاجراءات الحماية الخاصة بالاشخاص المحميين خاصة في حالات الاعتقال والاحتجاز.
-ضمان احترام الضمانات القضائية وخاصة في حالات المحاكمة , وبصورة خاصة في الحالات التي تشمل الحكم بالاعدام.
-تتبادل مع الدولة الحاجزة جميع المعلومات المفيدة عن الموقع الجغرافي لاسرى الحرب والمعتقلات.
-الاتفاق مع الدولة الحاجزة حول الحد الاقصى للمبالغ التي يمكن للاسرى الاحتفاظ بها , اخطار الاسرى او الدولة التي يتبعونها بالامور اليومية المحددة لهم من قبل الدولة الحاجزة.
-اقتراح القيود التي تفرض لمصلحة اسرى الحرب على الطرود الفردية او الجماعية التي تُرسل للاسرى وتامين نقل هذه الطرود في حال تعذر الدولة المعنية عن القيام بذلك بسبب العمليات الحربية.
-توصيل المستندات والوثائق والاوراق الى الاسرى او المعتقلين وعلى الاخص المتعلقة بالتوكل و الوصايا.
-الاطلاع على الالتماسات والشكاوى المقدمة من قبل الاسرى و المعتقلين بشان احوال الاسر او الاعتقال الخاضعين له.
-اجراء تحريات وتفتيش سجل العقوبات التأديبية الصادرة بحق الاسرى والمعتقلين .
-تعيين محامِ للاسير او الشخص المحمي(في حال عدم اختياره محامي) ولممثلي الدولة الحامية حضور المحاكمات الا في حالة كون المحاكمات سرية (في هذه الحالة يجب على الدولة الحاجزة ابلاغ الدولة الحامية بهذا الاجراء.) .
-الاطلاع عن طريق الدولة الحاجزة على اسماء الاشخاص المحمين الذين تم اعتقالهم او فرضت عليهم الاقامة الجبرية واسماء الاشخاص الذين تم الافراج عنهم بعد الاعتقال او الاقامة الجبرية.
-تقديم مساعيها الحميدة لغرض انشاء مناطق الاستشفاء والامان .
التطبيق العملي لنظام الدولة الحامية
نادراً ما جرت الاستعانة بهذه الدول منذ الحرب العالمية الثانية وقد قيل من قبل البعض بأن هذه الالية قد سقطت طي النسيان وشككوا في امكانية احياءها , فخلال السنوات التي تقارب السبعين بعد توقيع اتفاقيات جنيف الاربعة عام 1949 لم يتم الاستعانة بهذه الالية الا بعدد محدود من النزاعات الدولية وهي حرب السويس عام 1956 ومعركة بنزرت بين فرنسا وتونس عام 1961 والحرب الهندية الباكستانية حول بنغلاديش عام 1971 وحرب المالوين بين الارجنتين وبريطانيا عام 1982 .
ويرجع عدم الاقدام على هذا النظام كأحد الاليات الرقابية لتنفيذ القانون الدولي الانساني لعدة اسباب :
-عدم انضمام الخصوم للاتفاقيات المنظمة لهذه الالية .
-صعوبة الحصول على دولة محايدة تحظى بقبول الطرفين .
-عدم رغبة احد طرفي النزاع او كليهما بالاعتراف بان ثمة وجود نزاع دولي .
-غالبية النزاعات الحالية داخلية .
-سرعة الاحداث في بعض الحروب .
-اضطلاع اللجنة الدولية للصليب الاحمر باغلب وظائف الدولة الحامية .
-الخشية من ان يعد تعيين دولة حامية اعترافا بتلك الدولة من قبل الطرف الاخر في حالة كونها غير معترف بها او اعترافا بالخصم الاخر , وعليه فلم يتم العمل بنظام الدولة الحامية بأي وقت خلال الحروب العربية الاسرائيلية وذلك لعدم اعتراف الدول العربية بأسرائيل .
بدائل الدولة الحامية
بدائل الدولة الحامية تجد اساسها في اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكول الاضافي الاول لعام 1977
-اتفاقيات جنيف الاربعة اوردت الذكر حول بدائل الدولة الحامية في المواد ( 10,10,10,11) وفق التسلسل الاتي:
هيئة تتوافر فيها ضمانات الحيدة والكفاءة ويتم تشكيل هذه الهيئة قبل نشوء النزاع او بعهده ويكون تشكيلها بشرطين وهما موافقة الاطراف في اتفاقيات جنيف على نشاط هذه الهيئة و والشرط الاخر يلزم الهيئة بتقديم ضمانات الحيدة والكفاءة.
-تعيين دولة محايدة من قبل الدولة الحاجزة كبديل للدولة الحامية , ويختلف هذا البديل عن البديل السابق من حيث كونه امكانية بديلة لا يمكن اللجوء اليه الا في حالة عدم تطبيق مواد اتفاقيات جنيف المتعلقة بالدولة الحامية و المواد المتعلقة بالبديل الاول (الهيئة) , في حين البديل الاول هو اختيار اذ يمكن الاتفاق عليه حتى مع وجود امكانية لتطبيق مواد الاتفاقيات المذكورة.
في حال عدم اعتماد اي بديل من البدائل المذكورة , فعلى الدولة الحاجزة ان تطلب الى هيئة انسانية او ان تقبل عرض من قبل هيئة انسانية للقيام بالاعمال الوارد ذكرها في اتفاقيات جنيف.
-بديل الدولة الحامية في البروتوكول الاول يجد اساسه في الماد 2/الفقرة 2 وكذلك المادة 5/الفقرة 4
المادة 2/فقرة 2 تقضي بان تحل منظمة محل الدولة الحامية في الحالة التي لم تسفر عنها الاجراءات في الفقرتين 2/3 من المادة 5 من البروتوكول المذكور{ تنص الفقرة 2 على الزام اطراف النزاع بتعيين دولة حامية من بداية الوضع المشار اليه في المادة الاولى والسماح بنشاط هذه الدولة من قبل الطرف الاخر الذي قبل بهذه الدولة / وتنص الفقرة 3 على انه في حال عدم تعيين دولة حامية وفق الفقرة السابقة , تعرض اللجنة الدولية للصليب الاحمر مساعيها الحميدة على اطراف النزاع لتعيين دولة حامية دون ابطاء يوافق عليها كلا الاطراف دون المساس بحق اي منظمة انسانية اخرى تقوم بالمهمة ذاتها , ولها في سبيل ذلك ان تطلب من كل طرف تقديم قائمة تضم اسماء 5 دول على الاقل يقدر قبولها كدولة حامية تعمل باسمه وكذلك تقديم قائمة اخرى تضم اسماء 5 دول على الاقل يرتضيهما كدولة حامية للطرف الاخر}
المادة 5/الفقرة 4 تنص على انه في حال عدم تعيين دولة حامية وفق الفقرة السابقة , فعلى اطراف النزاع قبول عرض اللجنة الدولية للصليب الاحمر او اي منظمة انسانية اخرى تتسم بالحياد والكفاءة والفاعلية كبديل للدولة الحامية وبعد اجراء المشاورات اللازمة
هل اللجنة الدولية للصليب الاحمر مؤهلة لتؤدي دور البديل في اطار النظام الوارد ذكره في المواد ( 10,10,10,11) من اتفاقيات جنيف الاربع ؟
ان اللجنة الدولية للصليب الاحمر رغم اثباتها عدم تحيزها وحيادها وفاعليتها الا انه تم ذكرها كمثال على المنظمات الانسانية التي يمكن ان تؤدي دور بديل الدول الحامية , فلم يرد ذكرها في هذه المواد بشكل صريح
ففي عام 1977 فقد ساقها واضعو البروتوكول الاضافي الاول كمثال لمنظمة انسانية تتوافر فيها كل ضمانات الحيدة و الفعالية الامر الذي يبين بوضوح امكانيتها لعرض خدماتها لتضطلع بهذا الدور
المصادر
-القانون الدولي الانساني / الاستاذ الدكتور علي زعلان نعمة , الاستاذ الدكتور حيدر كاظم عبد علي , الاستاذ المساعد الدكتور محمود خليل جعفر
-اتفاقية جنيف لعام 1929
-اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949
-البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977
-vienna convention on diplomatic relation
-us department of state
-القاموس العملي للقانون الانساني