لاشك إن القارئ، قد سمع، ورأى هذا العنوان، مِراراً وتِكراراً، وقد صاحب هذا الإطلاع، عِدة اسئلة، وآراء سلبية، إيجابية، حيادية، جعلت المواطن، في حيرةٍ من أمره.
لكن، هل يصح ما يشاع، حول هذا القانون، وهل فعلاً له دوافع اُخرى، غير المصلحة العامة، وماسبب هذه الضجة عليه، وهل يستحق كل هذا الفوضى، قبل حتى أن يُقرئ في مجلس النواب العراقي، أم إنه؛ مجرد هَول وجيش إلكتروني، إعلامي داخلي وخارجي لتأجيج الفوضى، وتسليب المجتمع العراقي، بُناينه، ثقافته الإجتماعية، وهويته الإسلامية؟ أم إنه مجرد تغطية، لأمر سياسي، او مشروع قانون آخر يهدد سلامة وحقوق الإنسان؟
جميع هذه التساؤلات، والمتفرعة عنها، لا تحتاج إلى شرح مفصل، بل إلى توضيح مُبسط، فقد بات المجتمع العراقي يعي ماهية هذا القانون؛ بسبب النقاشات الإعلامية الكثيرة، وتقرير الخبراء القانونيون، وعلماء الدين، لتفصيل هذا التعديل للقانون….فنقول:
لاشك ولاريب، إن الأسرة أهم كيان في المجتمع، بِفسادها يفسد، وبصلاحها يَصلح، وعندما تجتمع عِدة اُمور لتنظيمها في المجتمع، تكول الأولوية لتنظيم واستقرار الأسرة، لذلك واحدة من أهم التعديلات على القوانين في الوقت الحالي، هو تعديل قانون الأحوال الشخصية.
السند الدستوري للتعديل
بادئ ذي بدء، يستند هذا التعديل على مواد الدستور، 2 و 41 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، حيث تنص المادة 2 على "الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع..ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام" والمادة 41 من الدستور " العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب ديانتهم، اومذاهبهم، او معتقداتهم، او اختيارتهم، وينظم ذلك بقانون".
كما هو موضح، السند الدستوري لهذا التعديل، فكل فرد في المجتمع، اياً كانت ديانته او معتقده، يحق له أن يختار احواله، الشخصية وفقاً لها، ولا يحق لأي شخص، ان يفرض او يتدخل بتقرير هذا الحق؛ لأنه من الحريات الشخصية البحتة.
نصوص التعديل
هل يسمح بزواج القاصرات؟
الجواب هو كلا، عند الإطلاع على مسودة التعديل، نرى إن التعديل لم يتناول موضوع العمر بتاتاً، بل إنه؛ كان حذر في ذلك، من اشتراطه الأهلية، والبلوغ والرشد، والشروط الشرعية والقانونية الأخرى، لإمكان الزواج، وكما نعلم ان البلوغ ليس الرشد.
هل يمنع الزوجة من الميراث؟
الجواب هو كلا، المرأة لا تمنع من الميراث، اطلاقاً، سواء كانت اُم، اُخت، بنت، حفيدة…الخ، فهذا التعديل يعطي الحرية الكاملة والمطلقة، للأشخاص بإختيار مذهبهم؛ لتطبيقه على أحوالهم الشخصية بشكل عام، ليس فقط على مسائل الزواج والطلاق، فالزوجة ترث من زوجها ،حسب المقدار المقدر لها شرعاً، وكل شخص حسب مذهبه ،في طريقة وماهية والاشياء التي يحق للزوجة أن ترثها، سواء مذهب جعفري، حنفي، حنبلي، شافعي،مالكي.
هل تسقط النفقة على الزوجة في حالة عدم طاعة الزوج؟
هذا التساؤل، مثير للسخرية بعض الشيء، وتثير الاستغراب؛ لان هذه القاعدة اعلاه، موجودة بالأصل في صلب، قانون الاحوال الشخصية النافذ والتي تُعرف ب (النشوز)، فالنشوز هو خروج الزوجة عن طاعة الزوج، فالنفقة لا تسقط إلا بالنشوز، لان الطاعة هي من شروطها، فهي من حقوق الزوجة وواجبات الزوج، ولا تُستحق ألا بطاعة الزوج، وعدم الخروج إلا بإذنه، لذلك فمن الغريب إثارة مثل هذه التساؤلات على هذا التعديل، لانه بالأصل، موجود في القانون النافذ وبذات الشروط، فلا تغيير في الموضوع.
هل يقيد من سلطة القضاء ويتدخل في شؤونه؟
الجواب هو ايضاً كلا، فالقضاء مستقل ،حسب نص المادة 19 من الدستور، لا سلطان عليه لغير القانون، بل العكس هذا التعديل يسهل عمل القضاء، ويجنبهم خطأ الوقوع في الأخطاء القانونية والشرعية، فهو لا يستحدث محاكم جديدة، ولا قانون يخالف الدين اولاً، والدستور ثانياً، بل يساعد القاضي في تطبيق القانون، عن طريق المدونة التي ستصدر،بعد إقرار القانون، من مجلس النواب.
هل هذا القانون يُطبق جبراً على العراقيون؟
الجواب هو كلا، القانون هو اختياري ليس جبري، فيحق لأي شخص ان يطبقه او يرجع لأحكام القانون النافذ، لتطبيقه على أحواله الشخصية، ولكن ماذا يضيف هذا التعديل اذا لم يكن جبراً؟ سنجيب بِاختصار شديد عن بعض ما جاء به التعديل، ألا وهو:
اضاف هذا التعديل، فقرة جديدة وهي، ان العراقي والعراقية، عند عقد الزواج ان يختارو، المذهب الي سيطبق عليه احوالهم الشخصية الكاملة، فالقانون النافذ يسمح للشخص، يطبق مثلاً، المذهب الجعفري في الزواج والطلاق، والحنفي في الميراث، والحنبلي او المالكي، في الاحوال الشخصية الأخرى، اي مزيج بالمذاهب التي تروق للشخص، اما التعديل، فهو يذهب بما تذهب اليه الشريعة الغراء، وهو إعتماد مذهب واحد، في جميع معاملات الشخص، من زواج وطلاق ونفقة وبيع وشراء وميراث…الخ.
وحذف هذا القانون الفقرة 5 من المادة 10 من القانون النافذ، لكونه يتعارض مع الدستور والقانون، وهو الحبس او السجن مع الغرامة، في حال الزواج خارج المحكمة سواء اول مرة او لثاني مرة، مع قيام الزوجية، بل أناط هذه المهمة، بِأشخاص، يحددهم المرجع الأعلى، لدى المذاهب الفقهية في العراق، من جدارة او عدم جدارة، الشخص بالزواج مرة أخرى، من عدمه.
ما القصة إذن، اذا كان هذا ما ينص عليه التعديل؟
مع ازدياد تدخل دول الخارج، بالملف الأمني، والسياسي والقانوني، في الشأن العراقي، من أجل، نسف مبادئ وتعاليم الإسلام، من جذور المجتمع العراقي، من أجل اشباع مصلحتهم، في تنفيذ ما يبتغوه، من قوانين، فنقول:
اذا كان هذا القانون وتعديله، الذي يدخل في صلب مبادئ وقيم المجتمع العراقي، لا يُنظم بما يراه مناسباً، ويخدم المصلحة العامة لابناء جميع المذاهب، فما الذي يجب ان يُنظم، من أجل تقليل حالات الطلاق، واستقرار الأسرة في بيئة، خالية من الضغوطات والتناقضات، والمشاكل…
هل هذا يشكل تهديد، لحقوق الانسان، والطفل، والمرأة، كما قالت السفيرة الأمريكية، وتوعد الاتحاد الأوربي؛ للعراق بفرضه عقوبات في حال، تم إقرار هذا القانون، كما فعل في قانون البغاء، فالجانب الآخر من القوى السياسية، رفضت وقامت اعلامياً ضد هذا التعديل، واتضح اخيراً، انها ساومت هذا القانون، على قانون العفو العام عن الارهاب.
ولكن السؤال….هل فعلاً تعديل قانون الأحوال الشخصية ينتهك حقوق الإنسان، والطفل ،والمرأة، ام قانون العفو عن إرهابيو داعش، ومجرمي المخدرات؟؟
الخلاصة
بعد هذا التوضيح البسيط، لما ورد في مسودة التعديل، وبات واضحاً محتواه، يُترك الأمر للقارئ؛ لبيان رأيه بما يحدث من هجمات، وفبركة، من قبل الحركات التي تجندها الدول الخارجية، من اجل سحب الهوية الدينية والثقافية للمجتمع، كذلك يمكن الإطلاع، على مسودة التعديل، بالبحث عنها في الإنترنت، من اجل معرفة أكثر، بتفاصيل تعديل قانون الاحوال الشخصية، لكن الغلبة في هذه التحديات، هو للإنسان الكَيس والفطن، الذي يبحث بنفسه عن أصل، اي موضوع سواء كان مشروع قانون، ام غير ذلك من المواضيع التي تثار بين فترة واُخرى.
المصادر
●د.مصدق عادل طالب، مقابلة متلفزة.
●دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
●قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959.
●مسودة مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية المقدمة، للجنة القانونية في مجلس النواب العراقي.
the thumbnail photo is of a carved figuers by Susan Lordi