بقلم : المحامي علي عظيم
قد يقع البعض بشراك المنع المخصوص بحالة معينة فيعتقد خطأً أن ما عدا هذا المنع هو الإباحة؛ منطلقاً من قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، كحالة شهادة المحامي لصالح موكله، حيث قد يتصور أن تنظيم قانون الإثبات العراقي مسألة منع المحامي من إفشاء اسرار موكله والسماح له بالشهادة ضد موكله في حالتين استثناءً، وسكوته عن تنظيم مسألة شهادة المحامي لصالح الموكل يعني بالضرورة الجواز؛ فالأصل بالأشياء الإباحة، كما ما دامت الشهادة ضد الموكل تجوز في بعض الحالات فإنها من باب أولى جائزة لصالحه، هذا ما كان يدور فيَّ أثناء الترافع أمام المحكمة وعند طلب الأخيرة تقدم الشهود قدمت نفسي كشاهد مع العلم أنا وكيل، أقدمت على ذلك بكل ثقة منطلقاً مما سبق ذكره بالإضافة إلى أني وكيلاً عن الغير أصيلاً عن نفسي، لكني تفاجأت من رفض شهادتي من قبل القاضي الذي قال لي: "لا يجوز للمحامي الجمع بين الوكالة والشهادة"، وعند البحث في قانون الإثبات لم أجد هذا المنع لكن عندما بحثت في قانون المحاماة تأكد لي أن كلام القاضي كان دقيقاً، وقد آليت على نفسي إلا ما أنشر هذا أولاً: لأني عندما بحث عن العنوان في محركات بحث كوكل لم أجد شيئاً عن الموضوع هذا، وثانياً: حتى لا يقع الزملاء بشراك المنع المخصوص بحالة معينة فيعتقد خطأً أن ما عدا هذا المنع هو الإباحة.أن المنع الذي جاءت به المادة ٨٩ من قانون الإثبات رقم ١٠٧ لسنة ١٩٧٩ والتي تنص على أنه "لا يجوز لمن علم من المحامين او الاطباء او الوكلاء او غيرهم عن طريق مهنته بواقعة او معلومات ان يفشيها ولو بعد انتهاء مهمته الا انه يجب عليه الادلاء بالشهادة اذا استشهد به من افضى اليه بها او كان ذلك يؤدي الى منع ارتكاب جريمة" قد يتسرب الوهم إلى البعض كما تسرب إليّ أن المحامي يستطيع الشهادة لصالح موكله؛ كون المادة السابقة منعته من الشهادة أو الإخبار ضد موكله وسمحت له أن يفشي أسراره استثناءً في حالتين الأولى إذا استشهد موكله بهِ أو إذا كان ذلك يؤدي إلى منع ارتكاب جريمة، حيث أن المنع أنصب على الشهادة ضد الموكل، مما يعني أن الشهادة لصالحه جائزة؛ على اعتبار أن قانون الإثبات لم يمنع سوى الشهادة ضد الموكل وسكت عن حالة الشهادة لصالحه ولا يمكن أن يبنى على السكوت منع؛ حيث لا ينسب قول إلى ساكت كما أن الأصل في الاشياء الإباحة، كما ما دامت الشهادة ضد الموكل تجوز في بعض الحالات فإنها من باب أولى جائزة لصالحه، وهذا صحيحٌ تماماً لكن من منع المحامي من الشهادة لصالح موكله ليس قانون الإثبات بل قانون المحاماة رقم ١٧٣ لسنة ١٩٦٥ في المادة ٤٦ ثالثاً التي جاء بها "لا يجوز تكليف المحامي بأداء شهادة في نزاع وكل او استشير فيه" حيث يلاحظ أن المنع في المادة أعلاه جاء مطلقاً؛ فكلمة شهادة في الجملة لم تقترن لا بالإيجاب ولا بالسلب أي لم تقترن بعبارة ضد موكله أو لصالحه بل جاءت عامة تحمل المعنيين معنى ضد الموكل ولصالحه عكس المادة ٨٩ من قانون الاثبات آنفة الذكر التي خصصت كلمة الشهادة بالضد.
وخلاصة القول إن قانون المحاماة منع المحامي من الأدلاء بشهادة منعاً مطلقاً واستثنى قانون الإثبات هذا المنع بتجويزه الشهادة ضد الموكل فقط وفي حالتين لا غير الأولى إذا استشهد به من أفضى إليه والثانية إذا كان ذلك يؤدي إلى منع ارتكاب جريمة.
ونافلة القول وددت أن أطرح أسئلة تدور في ذهني قد تكون مهمة، أولها: هل أهدار شهادة المحامي تجاه موكله من قبل المشرع توجه صحيح؟ خصوصاً وفي الكثير من الحالات قد يكون فيها المحامي شاهد عيان وشهادته مهمة، بالأخص إذا كانت الواقعة تتعلق بأفراد عائلته أو أقربائه أو أصدقائه حيث من المؤكد أنه المرجع الأول لهؤلاء ويقياً سيبادر إلى إعطاء استشارة قانونية، فهل تهدر شهادته بهذا السهولة؟ أم أن التوجه التشريع بمنعه من الشهادة لصالح الموكل أو لصالح من استشاره هو التوجه الأمثل؟ خصوصاً وإن المحامي إنسان والإنسان يتاثر بعوامل عدة تحرك سلوكه منها ماهو معنوي كجنوحه نحو أثبات صحة ادعائه أو ومنها ماهو مادي كرغبته بكسب الدعوى، مما يعني قد يشهد على واقعةٍ لم يحضرها أو ينقل الواقعة التي حضرها خلافاً للحقيقة مستغلاً علمه بالقانون.
أرى أن التوجه التشريعي الحالي هو الأمثل انطلاقاً من قاعدة "دفع مغرمٍ أَوْ جرّ مغنمٍ" التي نصت عليها مجلة الاحكام العدلية والتي اشترطت بالشهادة إلا تصدر ممن له الشأن بدفع المضرة وجلب المنفعة، والمحامي هو أكثر من يسعى إلى جلب المنافع ودفع المضار عن موكله، وأنت ماذا ترى؟.