مقدمة:
يعرف الدستور بانه اعلى قانون في البلاد لانه ينظم شكل الدولة ونظام الحكم فيها ويحدد السلطات واختصاصاتها وعلاقتها ببعضها البعض بالاضافة الى ذلك فانه يحدد حقوق وحريات الافراد وعلاقة الافراد ببعضهم البعض وعلاقتهم مع السلطات.
ولما كان الدستور اعلى قانون في البلاد فلابد ان تشرع كل القوانين وتصدر كل الانظمة والتعليمات وفقاً للدستور واذا ما خالفته فانها تصاب بعيب عدم الدستورية وتلغى.وعلى اعتبار ان الدستور اعلى قانون في البلاد فعلى الجميع حكاماً ومحكومين تنفيذ نصوصه دون اهمال او نقص او تغافل لانهم بهذه الحالة يخلون بالتزاماتهم التي حددها الدستور.
الا انه احياناً قد تحصل بعض الظروف الطارئة التي تحول دون تطبيق نصوص الدستور وينص الدستور على ذلك (اي انه ينص على تعطيل الدستور كلاً او جزءاً عند حصول الظروف الطارئة او الاستثنائية) وفي هذه الحالة يكون التعطيل رسمياً ويكون استثناءاً من مبدأ المشروعية, واحياناً قد يحيل الدستور الى القانون تنظيم مسألة ما الا ان القائمين على السلطة لا يقومون بواجبهم ويشرعون قانون لتنظيم هذه المسألة فيسمى التعطيل بالتعطيل الفعلي للدستور او التعطيل غير الرسمي.
وفي هذا البحث حاولنا ايجاد تعريف لتعطيل الدستور وتحديد انواعه واسبابه وميزناه عن غيره من المفاهيم المشابهة,لانه وفي الحقيقة على الرغم من ان مفهوم التعطيل ليس جديداً في الفقه الدستوري الا انه مهمش.
هيكلية البحث:تم تقسيمه الى مبحثين وكالاتي:
المبحث الاول:معنى التعطيل وانواعه
المطلب الاول: معنى التعطيل
المطلب الثاني:انواع التعطيل
المبحث الثاني:اسباب التعطيل وتمييزه عن غيره من المفاهيم
المطلب الاول:اسباب التعطيل
المطلب الثاني:تمييز التعطيل عن غيره من المفاهيم
المبحث الاول:معنى التعطيل وانواعه
المطلب الاول:معنى التعطيل
لدراسة تعطيل الدستور ينبغي في البداية الوقوف على معنى التعطيل وبيان المقصود منه في اللغة والاصطلاح.
معنى التعطيل
التعطيل في اللغة هومصدر (عطَل) يأتي بمعنى تأخير حاول تعطيله عن السفر اي حاول تأخيره*,والتعطيل الرسمي هو ايقاف العمل في دوائر الدولة الرسمية للدولة والتعطيل في الفلسفة والتصوف هو مذهب ينكر صفات الله تعالى, ويقال تعطلت القوانين اي توقف تطبيقها*,وذكرت كلمة التعطيل في القران,قال تعالى (واذا العشار عُطلت) فمعنى العشار هي الابل الحامل ومعنى عطلت اي تركت او اهملت اي تهمل الابل الحامل.*
اما معنى التعطيل في الاصطلاح فالمقصود منه تعطيل الدستور في القانون.
فعلى الرغم من عدم وجود تعريف جامع مانع لمعنى تعطيل الدستور في الاصطلاح وكل ما ورد هو بيان لانواعه دون تحديد معناه بصورة دقيقة*,لذلك ومن خلال قراءة انواع التعطيل في الدساتير يمكن تعريف التعطيل(هو ايقاف العمل باحكام الدستور و عدم العمل بها اما بشكل رسمي او فعلي او بصورة كلية او جزئية ويكون التعطيل اما استثناءً من مبدأ سمو الدستور او مجاوزاً هذا المبدأ*)
المطلب الثاني:انواع التعطيل
بعد بيان مفهوم التعطيل في اللغة والاصطلاح سنتطرق الى انواع التعطيل, قسم الفقه التعطيل الى تعطيل رسمي للدستور وتعطيل فعلي للدستور,سنحاول في هذا المبحث دراسة كل نوع على حدا.
التعطيل الرسمي للدستور
يعرف التعطيل الرسمي للدستور بانه عدم العمل باحكام الدستور وفقاً لنص خاص موجود في الدستور حيث يصدر قرار خاص من الجهة المخولة –عادة ما يكون رئيس الدولة- بتعطيل العمل باحكام الدستور نظراً لوجود حالة طوارئ او ازمة تمر بها البلاد او عدوان على البلاد او اي ظرف استثنائي,ويسمى هذا التعطيل بالمشروع لانه يستند الى نص خاص بالدستور خول لاحد الجهات تعطيله.
ان تعطيل الدستور في الظروف الاستثنائية لا يعني الغاءه او تعديله انما فقط وقف العمل باحكامه ويكون لرئيس الدولة صلاحيات استثنائية واسعة لغرض معالجة هذه الظروف وحماية البلاد.وان رئيس الدولة وان كان له صلاحية تعطيل الدستور في الظروف الطارئة فليس له تعديل الدستور او الغاءه لان هذا من شأنه ان يعطي احكاماً مختلفة.
ومن الامثلة على التعطيل الرسمي للدستور ما نصت عليه المادة 16 من الدستور الفرنسي لعام 1958 حيث اعطت رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية في حالة الضرورة وكذلك المادة 108 من الدستور البحريني الملغي لسنة 1973 وكذلك المادة 123 من دستورها لسنة 2002 حيث اجازت هاتين المادتين تعطيل الدستور اثناء اعلان الاحكام العرفية*.و ايضاً اجازت المادة 99 من من الدستور العراقي لسنة 1990 صلاحية رئيس الدولة بتعطيل بعض نصوص الدستور في حالة الظروف الاستثنائية. اما موقف المشرع الدستوري العراقي لسنة 2005 فانه لم يتضمن تعطيل للدستور في حالة الظروف الاستثنائية حيث ذكرت المادة( 61/تاسعاً/ج) من الدستور (يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد في اثناء مدة اعلان حالة الحرب وحالة الطوارئ وتنظم هذه الصلاحية بقانون ,
وبما لا يتعارض مع الدستور),ففي هذه الحالة يجب على مجلس النواب تشريع قانون خاص ينظم حالة الطوارئ في العراق وصلاحيات رئيس الدولة في تلك الحالات,الا انه نلاحظ ان المشرع العراقي لم يسن مثل هكذا قانون الى الان,انما هو يعمل بقانون امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 الذي صدر استناداً الى قانون ادارة الدولة المؤقت لسنة 2004,وعلى اعتبار ان المشرع العراقي لدستور 2005 لم يلغِ هذا القانون ولم يصدر قانون ينظم حالة الطوارئ فان قانون امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 يبقى معمولاً به ونافذاً في حالة الطوارئ التي تصيب البلاد.
وفي الحقيقة هذا نقص تشريعي كان من الاولى بالمشرع العراقي اصدار قانون يعالج حالة الطوارئ وصلاحية رئيس الدولة في تلك الحالات بدلاً من الاعتماد على قانون صادر وفقاً للقانون المؤقت لسنة 2004 ,بالاضافة الى ذلك ان نص المادة المذكورة من دستور 2005 وهي المادة (61) ذكرت ان القانون الذي ينظم صلاحية رئيس الدولة يجب الا يتعارض مع الدستور الحالي وهو دستور 2005,والقانون الذي ينظم صلاحية رئيس الدولة في تلك الحالات هو قانون امر الدفاع عن السلامة الوطنية (كما ذكرنا سابقاً) صدر وفقاً لقانون ادارة الدولة المؤقت لسنة 2004 وليس دستور 2005 النافذ.
كذلك ان التعطيل الرسمي للدستور من الممكن ان يكون كلياً او جزئياً فكما ذكرنا ان الدستور في التعطيل الرسمي انما يعطل بسبب امر طارئ تمر به البلاد وحسب حكم الدستور في هذه الحالة اما ان ينص على ان يعطل الدستور كلياً وتعطى صلاحيات استثنائية واسعة للرئيس لادارة الدولة او من الممكن ان ينص على ان تعطل بعض احكام الدستور مع العمل بالجزء غير المعطل بالاضافة الى الصلاحيات الاستثنائية التي تعطى للرئيس.
التعطيل الفعلي للدستور(التعطيل غير الرسمي)
يعرف التعطيل الفعلي للدستور بانه تغاضي الحكام عن تطبيق بعض النصوص الدستورية او تعمد اهمالها, دون ان ستند ذلك الى نص في الدستور يجيز لهم عدم تطبيق هذه القاعدة او تلك لذلك سمي بالتعطيل غير الرسمي للدستور. ويلاحظ التعطيل الفعلي من خلال مقارنة بين الواقع السياسي والدستوري للدولة فاذا ما نص دستور دولة ما على ان شكل الحكم فيها نيابي برلماني,فمن المعروف ان من خصائص النظام النيابي البرلماني وجود مجلس يمثل الشعب وتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية,الا ان الحكام في تلك الدولة قد يتجهون اتجاهاً مخالفاً فمثلاً قد تطغى السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية او قد لا تتم الدعوة لانتخاب مجلس نيابي*.
ومن خلال استقراء الواقع السياسي والدستوري للعراق بدءاً من دستور 1925 وانتهاءً بدستور 2005 نلاحظ انه زاخر بالتعطيلات الفعلية للدستور,ونذكر منها:
-دستور العراق لسنة 1925: نصت المادة 2 من هذا الدستور (شكل الحكومة نيابي) لكن النظام الساسي المطبق لم يكن نيابياً حقيقياً, فمثلاً نجد ان وسيلة الحل وسحب الثقة وهي من اهم خصائص النظام البرلماني كانت مطبقة من جانب واحد فقط فنلاحظ ان الوزارات طالبت مراراً وتكراراً حل البرلمان الا انه لم يحل بل على العكس تم حل وسحب الثقة من العديد من الوزارات فكفة الميزان لم تتساوى انما كانت مرجحة لحساب السلطة التشريعية*.
-دستور العراق لسنة 1958 المؤقت: وهو اول دستور في ظل جمهورية العراق كانت اغلب احكامه معطلة فعلاً وخصوصاً في فترة انفراد رئيس الوزراء بالسلطة فالواقع الساسي والدستوري للعراق في تلك اكد ان الدستور كان معطلاً فعلياً*.
-دستور العراق لسنة 1970 المؤقت: نصت المادة الثانية من الدستور ان الشعب هو مصدر السلطة وشرعيتها الا ان الشعب لم ينتخب الهيئة التي وضعت هذا الدستور وحكمت البلاد (مجلس قيادة الثورة)*, ونصت المادة الاولى من الدستور (ان العراق جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة....) لكن من اخلال اسقراء الواقع الدستوري والساسي نلاحظ بان العراق لم يكن دولة ديمقراطية.
-دستور العراق لسنة 2005 النافذ: قضت المادة الاولى من دستور 2005 على ان العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي.الا ان القوى الفاعلة لم تأخذ بخصائص النظام البرلماني انما ابتدعت مبدأ المحاصصة و التوافق والذي لا علاقة له بخصائص النظام البرلماني*.
كذلك قضت المادة 76/اولاً من الدستور بان يقوم رئيس الجمهورية باختيار بتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكبر بتشكيل مجلس الوزراء,فمن المفترض ان يقوم رئيس الوزراء باختيار وزراءه بحرية لادارة شؤون الدولة الا ان الواقع قضى بفرض الوزراء من قبل الكتل النيابية بالاستناد على مسميات ليس لها سند من الدستور هي (المحاصصة,التوافق السياسي).
وايضاً نصت المادة 48 من الدستور (تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد). حيث يضم الاول ممثلين عن الشعب والثاني ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم,وقضت المادة 65 من الدستور على ان يسن قانون من قبل مجلس النواب ينظم عمل مجلس الاتحاد وتكوينه وشروط العضوية,الا انه وبعد تأسيس الدستور وتشكيل مجلس النواب لم نلاحظ ووجود قانون لتنظيم عمل مجلس الاتحاد على الرغم من ان اهميته لا تقل عن مجلس النواب وفي الحقيقة هذا اختلاف واضح بين الواقع الدستوري والسياسي لان من اهم خصائص الدولة الاتحادية هو وجود مجلسين احدهمها يمثل الشعب والاخر يمثل الولايات في الدولة وعلى اعتبار ان العراق دولة اتحادية كان لابد من وجود مجلس الاتحاد وعدم تعطيل هذه المادة.
المبحث الثاني:اسباب التعطيل وتمييزه عن غيره من المفاهيم
بعد ان بينا مفهوم التعطيل الدستوري وانواعه سنتطرق الى اسباب تعطيل الدستور,فانه من غير الممكن ان يعطل الدستور وهو اعلى قانون في البلاد دون سبب لابد من وجود اسباب واضحة ومقنعة لتعطيله.
اسباب التعطيل:
السياسة كسبب من اسباب التعطيل
ان الاوضاع التي تحيط بالقابضين على الاسلطة ليست ثابتة انما تختلف باختلاف الظروف والاوضاع لكن,القول بذلك لا يعني عدم القدرة على تحديد مظاهر عامة لممارسة السلطة,ففي حقيقة الامر ان استمرار ممارسة السلطة يعني ولادة قواعد دستورية تعبر عن ارادة ومصالح اصحاب السلطة,فاذا ما وصلت سلطة ما الى الحكم ووجدت ان القواعد الدستورية تعيقها في عملها او لا تتلائم مع مصالحها وارادتها فهل من الممكن ان تبقى هذه القواعد الدستورية؟ بالطبع لا,ان السبب الاول في استمرار تطبيق القواعد الدستورية هو انها تعبير عن ارادة ومصالح القابضين على السلطة,فاذا كانت هذه القواعد لا تعبر عن ارادة ومصالح اصحاب السلطة سيقومون بتعطيلها من اجل الوصول الى اهدافهم وتركيز السلطة بيدهم قاطعين الطريق عن المؤوسسات الدستورية والممثلة للشعب*.
الاسباب العملية لتعطيل الدستور
لا توجد دولة في العالم لم تمر بتقلبات او ان حياتها سارت على وتيرة واحدة منذ بداية نشأتها بل تتخللها بين الحين والاخر ظروف استثنائية او حالة حرب او قوة قاهرة او اي ظرف اخر..., ولما كان مبدأ استمرارية الدولة وحماية شعبها ومصالحه من اهم المبادئ عند حصول مثل هكذا ظروف فان ذلك يعتبر مبرر لتعطيل الدستور وذلك لحماية الدولة ومن فيها,ان هذه الاسباب تعتبر مهمة لتعطيل الدستور واعطاء رئيس الدولة صلاحيات استثنائية لمعالجة الاوضاع, الا ان تعطيل الدستور في تلك الظروف يثير مسألة مهمة وهي ان الحقوق والحريات الموجودة في صلب الوثيقة الدستورية تصبح غير مجدية فكان لابد من وجود توازن بين التعطيل وبين الحقوق والحريات المنصوص عليها في صلب الوثيقة الدستورية.
المطلب الثاني:تمييز التعطيل عما يشابهه من مفاهيم
بعد ان بينا مفهوم التعطيل واسبابه وانواعه سنتطرق الى تمييز التعطيل عما يشاببه من مفاهيم ولذلك تم تقسيم هذا المطلب الى فرعين سنتناول في الفرع الاول التمييز بين التعطيل والتعديل وفي الثاني بين التعطيل والالغاء.
التمييز بين التعطيل والتعديل
بعد ان بينا مفهوم التعطيل سنتطرق مباشرة الى مفهوم التعديل الدستوري.يعرف تعديل الدستور بانه مجموعة من الاجراءات المتبعة من قبل السلطة المختصة وهي البرلمان –اي مجلس يمثل الشعب- يقوم باضفاء تعديلات على الدستور اما باضافة مواد او عبارات او بحذف مواد او عبارات منه .
وان مسألة تعديل الدستور لا تثار من تلقاء نفسها انما لابد ان يتم تقديم طلب مستوفٍ للشروط التي نص عليها الدستور او القانون (لانه وكما هو معروف ان الدساتير اما تكون جامدة او مرنة فالنوع الاول تكون مسألة تعديله صعبة فانه لا يعدل او يلغى الا باجراءات صعبة,اما النوع الثاني فان اجراءات تعديله او الغاءه هي ذاتها الاجراءات المتبعة في تعديل والغاء القانون العادي), ففيما يتعلق بتعديل دستور العراق التافذ لسنة 2005 نصت عليه المادة 126 فنصت على اجراءات صعبة ومعقدة لتعديله وهذا ما يؤكد ان دستور العراق هو دستور جامد.
ومن خلال مقارنة بسيطة بين التعديل والتعطيل نلاحظ ما يأتي:
1-نلاحظ ان كل من التعديل والتعطيل يتمان وفق اجراءات معينة منصوص عليها في الدستور.
2-كل من التعطيل والتعديل من المممن ان يكونا بصورة جزئية .
3-ان التعديل يحصل لمعالجة التطورات الحاصلة في البلاد وكذلك التعطيل فانه يأتي لمعالجة امور معينة تطرأ على البلد.
4-يختلف التعديل عن التعطيل بان التعديل يقوم على اضافة او حذف مواد اوعبارات من الدستور مما يؤدي الى تغيير في الحكم.
5-مسألة تعديل الدستور تكون مناطة بالهيئة المسؤولة عن التشريع وغالباً ما تكون هذه الجهة (البرلمان) اما مسألة تعطيل الدستور فانها مناطة برئيس الدولة.
اما فيما يتعلق بالتعديل والتعطيل في ظل دستور 2005 النافذ فان التعديل تم النص عليه في المادة 126 كما ذكرنا اما التعطيل فلم ينص عليه في الدستور وكان من الاجدر بالمشرع (حسب رأينا) ان ينص عليه وينظم احكامه شأنه في ذلك شأن الدساتير الباقية.
التمييز بين التعطيل والالغاء
يقصد بالغاء الدستور عدم العمل باحكامه وعدم الاكتفاء بتعديله فتعمل السلطة المختصة على الغاءه وتشريع قواعد دستورية جديدة. ان الغاء الدساتير اما ان يتم بصورة عادية وهو ما يعرف (بالاسلوب العادي لنهاية الدستور) او بصورة غير عادية اي عن طريق (الثورة او الانقلاب).ففيما يتعلق بالنوع الاول من انواع الالغاء يجب التمييز بين الدستور الجامد والمرن فالاول كما ذكرنا لا يتم تعديله او الغاءه بطرق سهلة انما يتطلب اجراءات معقدة,اما الدستور المرن فانه يعدل يلغى بذات الطريقة التي تعدل وتلغى بها القوانين العادية.
وفيما يتعلق بالالغاء عن طريق الثورة او الانقلاب فان الفقه ميَز بينهما
من حيث الهدف:فان الثورة تهدف الى تغيير شامل في المجتمع اما الانقلاب يهدف الى تغيير الاشخاص الحاكمين*
اما من حيث الجهة فان الثورة تعبير عن ارادة الشعب على عكس الانقلاب وهو تعبير عن ارادة مجموعة من الاشخاص القابضين على السلطة*.
وبكل الاحوال نجاح الثورة او الانقلاب لا يترتب عليه الغاء القواعد الدستورية بصورة مباشرة وتلقائية الذي يلغى هو فقط القواعد الدستورية التي تنظم شكل الحكم*
ومن خلال ما تقدم يمكن المقارنة بين التعطيل والالغاء كالاتي:
1-كل منهما يتطلبان اجراءات معينة يتم اتخاذها من قبل السلطة المختصة.
2- كل من التعطيل والالغاء يحصلان بسبب الظروف التي تمر بالبلاد والتطورات الحاصلة فكان لابد للقاعدة الدستورية من مواكبتها.
3- الغاء الدستور معناه عدم العمل بالقواعد الدستورية وانشاء قواعد دستورية جديدة اما التعطيل فهو عدم العمل بالقواعد الدستورية لفترة مؤقتة,وعند انتهاء هذه الفترة يتم العمل وفقاً للقواعد الدستورية.
النتائج:
1-ان مفهوم تعطيل الدستور ليس جديداً على الساحة الدستورية الا انه وعلى الرغم من ذلك لا يوجد تعريف جامع مانع يوضح مفهوم التعطيل وهذا التعريف ما زال مهمشاً .
2-من خلال اسقراء تاريخ العراق الدستوري لاحظنا ان العديد من المواد الدستورية وفي كل الدساتير معطلة فعلياً بدءاً من دستور 1925 الذي ذكر ان العراق اخذ بالنظام البرلماني الا اننا لاحظنا بعدم وجود خصائص هذا النظام,وحتى فيما يتعلق بدستور 1958 المؤقت ودستور 1970 المؤقت فالدستور الاخير نص على ان العراق دولة ديمقراطية وفي الحقيقة لم يكن كذلك,اما دستور 2005 فلاحظنا ان العديد من مواده كذلك كانت معطلة ومنها المادة الاولى التي ذكرت بان العراق دولة نيابية برلمانية الا انه في الحقيقة اخذ بالمحاصصة السياسية.
3-ان الدستور العراقي لسنة 2005 لم ينظم الى الان صلاحية رئيس الدولة في حالة الظروف الاستثنائية لانه وكما ذكرنا احال هذه المهمة الى البرلمان في نص المادة (61/تاسعاً/ج) لكن البرلمان لم يشرع هذا القانون الى الان واحال موضوعه الى قانون امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 الذي صدر استناداً الى قانون ادارة الدولة المؤقت لسنة 2004 ,ونص المادة ذكرت ان تنظيم صلاحية رئيس الدولة في تلك الظروف يجب الا يتعارض مع الدستور وهو دستور 2005 .
التوصيات:
1-على الرغم من ان دستور 2005 اخذ بضمانات مبدأ المشرعية مثل الفصل بين السلطات والرقابة القضائية الا انها لم تفعل من الناحية العملية بالتالي يجب تفعيلها لتحقيق دولة دستورية.
2-تشريع قانون وفقاً لدستور 2005 يعالج صلاحيات رئيس الدولة في الظروف الاستثنائية وعدم ترك الامر لقانون امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 لان هذا القانون صدر وفقاً لقانون ادارة الدولة المؤقت لسنة 2004 وليس وفقاً لدستور,وان المادة (61/تاسعاً/ج) ذكرت ان تنظيم الصلاحيات يجب الا يتعارض مع الدستور وهو دستور 2005.
3-هناك العديد من المواد المعطلة فعلياً في الدستور لكن اهمها المادة 65 من الدستور المتعلقة بسن مجلس النواب قانون خاص بمجلس الاتحاد وفي رأينا كان من الافضل ان ينص على تشكيل مجلس الاتحاد من شروط الاعضاء وصلاحيات المجلس بالاضافة الى كيفية انتخاب الاعضاء في صلب الوثيقة الدستورية بدلاً من ترك مثل هكذا امر للبرلمان حتى لا يجعله تحت رحمة البرلمان.
4-العمل فعلاً بنص المادة الاولى والاخذ فعلاً بخصائص النظام النيابي البرلماني لانه وكما بينا فان الواقع السياسي في العراق يأخذ بالمحاصصة.
رابط البحث على researchgate
http://dx.doi.org/10.13140/RG.2.2.29430.20808
المراجع:
1-معجم الغني
2-معجم اللغة العربية المعاصر
3-القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق-الاستاذ الدكتور حميد حنون خالد
4-التعطيل الفعلي لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 وعلاقته بمبدأ المشروعية-هبة مدرس مساعد هبة نعمان منصور-بحث منشور في مجلة العلوم القانونية
5-سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة-أ.م.د رافع خضر صالح شبر –المعهد العراقي للحوار
6-تعطيل العمل بالدستور بين جدلية الضرورة والخيار في الانظمة الدستورية المقارنة-الدكتورة نوارة تريعة والدكتور عبد اللطيف والي-بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية
7-تعطيل والغاء الدستور-م.م زيد حمزة موسى
8-تعطيل السلطتين التشريعية والتنفيذية لدستور جمهورية العراق لسنة 2005
الدساتير والقوانين:
الدساتير:
1-دستور جمهورية العراق لسنة 2005
2-الدستور الفرنسي لعام 1958
3-الدستور البحريني لسنة 1973
4-الدستور البحريني لسنة 2002
5-الدستور العراقي لسنة 1990
القوانين:
قانون امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004